ذكاء اصطناعي

دواء ثوري يوقف نمو السرطان يدخل أولى مراحل التجارب على البشر

محمد كمال
محمد كمال

3 د

أعلن باحثون عن عقار جديد يوقف نمو السرطان ويدخل التجارب السريرية على البشر.

تمكن العلماء من استخدام مركبات كيميائية لتعطيل تفاعل رئيسي في نمو الأورام.

يسعى العقار للحد من تأثير جين RAS دون الإضرار بالخلايا السليمة.

الدواء الجديد يعد تحولاً جذريًا في طرق علاج السرطان بكفاءة ودقة.

التجارب السريرية ستختبر الأمان والفعالية للدواء على المصابين بطفرات جينية.

في خطوة قد تعيد رسم خريطة العلاجات السرطانية، أعلن باحثون من **معهد فرانسيس كريك** بالتعاون مع شركة **فيفيديون ثيرابيوتيكس** عن تطوير مركّبات كيميائية جديدة قادرة على تعطيل تفاعل محوري بين جين **RAS** وإنزيم **PI3K**، وهو التفاعل الذي يغذي نمو الأورام ويجعلها أكثر عدوانية.

بدأت هذه المركّبات الفريدة أولى مراحل التجارب على البشر لاختبار سلامتها وفاعليتها، ما يفتح باب الأمل لعلاج أنواع متعددة من السرطان دون الإضرار بالخلايا السليمة. هذا الإنجاز العلمي يوصف بأنه أحد أكثر التطورات وعداً في مجال طب الأورام الجزيئي.

وهذا الإنجاز يربط بين سنوات من الأبحاث حول جين RAS وفشل محاولات سابقة في كبح نشاطه دون آثار جانبية تُذكر.


كيف يعمل الجين RAS ولماذا يصعب استهدافه؟

يُعد جين RAS محركاً رئيسياً لعمليات نمو الخلايا، وتظهر طفراته في نحو **20٪ من حالات السرطان** المعروفة. فعندما يتحور الجين، يبقى البروتين الناتج عنه في حالة تنشيط دائم ترسل إشارات متواصلة للخلايا بالانقسام، ما يؤدي إلى تكوّن الأورام بسرعة.

هذه الطبيعة المعقدة جعلت من الصعب تطوير دواء يثبط عمله دون أن يمس الوظائف الأساسية الأخرى في الجسم. فالإنزيم **PI3K** الذي يتفاعل معه RAS يشارك أيضاً في تنظيم **مستوى سكر الدم** عبر عمله مع الأنسولين، وأي تعطيل كامل له قد يسبب ارتفاعاً حاداً في الغلوكوز.

ومن هنا تتضح أهمية المقاربة الجديدة التي ركزت على **فصل التفاعل بين RAS وPI3K** دون تعطيل وظائف الإنزيم الأخرى.


التركيبة الذكية: تثبيط انتقائي دون آثار جانبية

من خلال استخدام تقنيات الفحص الكيميائي المتقدم، تمكن العلماء من اكتشاف مركّبات صغيرة تلتصق بشكل دائم بالجزء السطحي من إنزيم PI3K في الموقع الذي يرتبط فيه عادةً ببروتين RAS. وهكذا يُمنع التفاعل الضار الذي يغذي الخلايا السرطانية، بينما تبقى قدرة الإنزيم على التواصل مع جزيئات أخرى مثل تلك المرتبطة بتنظيم الأنسولين سليمة.

وقد تم اختبار أحد هذه المركّبات على **فئران مصابة بسرطان الرئة** يحمل طفرات في جين RAS، وكانت النتيجة مذهلة: توقف نمو الورم تماماً، ودون أي علامة على الإصابة بارتفاع سكر الدم، وهي المشكلة التي أعاقت نجاح أدوية أخرى في الماضي.

ويستكمل هذا الاكتشاف طريقه الآن نحو تعزيزه بالأدلة السريرية من خلال التجارب البشرية.


نحو آفاق أوسع: نتائج مشجعة وتطبيقات جديدة

توسّعت التجارب لتشمل مزيجاً من الدواء الجديد مع أدوية أخرى تستهدف الإنزيمات في مسار RAS نفسه، فظهرت نتائج أقوى وأطول أمداً في **تثبيط نمو الورم**. كما تمت تجربة العلاج على فئران تعاني أوراماً تحوي طفرات في الجين **HER2** الذي يُعرف بتسببه في سرطانات الثدي، وأظهرت النتائج كفاءة مماثلة في وقف تطوّر الورم حتى من دون دور مباشر لجين RAS.

هذه النتائج تفتح الباب لاحتمالية أن يعمل الدواء بشكل شامل ضد أنواع متعددة من **الأورام الصلبة**، وهو ما سيغير قواعد اللعبة في معالجة السرطان.


بداية التجارب السريرية وبريق الأمل

الدواء الجديد دخل فعلياً مرحلة **التجارب الإكلينيكية الأولى** لتحديد مستوى الأمان والآثار الجانبية لدى المصابين بطفرات في جيني RAS وHER2. وستُقيَّم أيضاً فاعلية الدمج بينه وبين علاجات تستهدف المسار نفسه.

أكد البروفيسور **جوليان داونوارد**، من معهد كريك، أن هذا التقدم يمثل ثمرة سنوات طويلة من البحث لفهم كيمياء التفاعل بين الجينات المسببة للورم ومسارات النمو الخلوية. وقد عبّر عن تفاؤله قائلاً إن تحويل هذا الاكتشاف إلى علاج فعلي "يؤكد قوة العلم حين يجمع بين الكيمياء العميقة والبيولوجيا الدقيقة لخدمة المرضى".

وفي السياق ذاته، وصف الدكتور **مات باتريسيلي**، كبير العلماء في فيفيديون، الاكتشاف بأنه "تحول جذري في طريقة مقاربة علاج السرطان، لأنه يوقف الإشارة الضارة دون أن يعطل الوظائف الطبيعية للخلايا".

ذو صلة

خاتمة

تُظهر هذه التجربة أن الجمع بين **البيولوجيا الجزيئية** و**الكيمياء الدوائية** يمكن أن ينتج حلولاً إبداعية تعالج السرطان بذكاء وانتقائية غير مسبوقة. وبينما ما زالت التجارب في مراحلها الأولى، فإن الآمال كبيرة بأن يكون هذا الاكتشاف خطوة حقيقية نحو **علاج أكثر أماناً وفعالية** ضد واحد من أخطر أمراض العصر.

ذو صلة