قوس قزح فضائي يفضح أسرار ولادة الأرض!

3 د
اكتشف تلسكوب جيمس ويب تفاصيل مذهلة في سديم الفراشة عن نشأة الأرض.
توصل العلماء لفهم أعمق لتكوّن الغبار الكوني الذي يُعتبر أساس تكوين الكواكب.
سديم الفراشة يحتوي على بلورات ومعادن تشبه تلك الموجودة بقشرة الأرض.
وجود المركبات العضوية يدعم الفرضيات حول نشأة الحياة خارج الأرض.
تعود القصة إلى مرصد الفضاء الأكثر تطوراً حالياً، **تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST)**، الذي مكّن علماء الفلك من الغوص أعمق في قلب السديم الواقع على بعد 3400 سنة ضوئية. الدراسة الحديثة التي ظهرت في مجلة «الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية» تكشف كيف يبدأ الغبار الكوني في التبلور، مانحاً الباحثين صورة أوضح عن العمليات التي بُنيت منها كواكب مثل الأرض. وهذا يربط بين الصور الساحرة للسدم وبين مسألة بالغة الجدية: أصل الحياة نفسها.
بلورات ولآلئ في الفضاء العميق
العالمة ميكاكو ماتسورا من جامعة كارديف تشرح أن هذه المرة الأولى التي يُرى فيها الغبار بأشكاله المتنوعة داخل السديم ذاته؛ حبيبات عشوائية سوداء تشبه السخام جنباً إلى جنب مع بلورات متناسقة تذكّر بالأحجار الكريمة. هذا التنوع يوضح أن النجوم عندما تحتضر وتنفث طبقاتها الخارجية، لا تترك وراءها فراغاً عقيماً، بل مصانع مصغّرة لإنتاج المواد الأساسية لتكوين كواكب جديدة. وهكذا ينتقل القارئ من مجرد صور رائعة في السماء إلى فهم ملموس لخط إنتاج كوني يصنع الحجارة والمعادن التي قد تبني عوالم صخرية.
سديم الفراشة: جمال يخفي مصنعاً كوكبياً
يقع السديم في كوكبة العقرب الجنوبية، وله منظر يأسر العين بأجنحته المتقابلة التي نتجت عن انبعاثات عنيفة من نجم يحتضر في مركزه. لكن خلف الجمال تكمن عملية أكثر عمقاً: تشكّل معادن السيليكات مثل الكوارتز والإينستاتيت وفورستريت، وهي المواد ذاتها التي بُنيت منها قشرة الأرض والصخور الكوكبية. وهذا يربط بين مشهد بصري أخّاذ وحقيقة جيولوجية تمس حياتنا اليومية على هذا الكوكب.
دور جيمس ويب ورفاقه
بفضل قدرته على التقاط الأشعة تحت الحمراء، استطاع تلسكوب جيمس ويب أن يخترق طبقات الغبار السميكة ويكشف عن تفاصيل ما كان خفياً. وعندما جُمعت بياناته مع المرصد الراديوي «ألما» في تشيلي، ظهرت لوحة كاملة لرحلة حبيبات الغبار: من ذرات دقيقة تتكدس قرب النجم، إلى بلورات تنمو شيئاً فشيئاً لتصبح بذور كواكب. وهذا يربط مباشرة بين التقنيات الحديثة وبين سؤال قديم شغل الفلاسفة والعلماء: من أين جاءت الأرض؟
جزيئات تعيد النقاش إلى أصل الحياة
الأكثر إدهاشاً كان العثور على جزيئات هيدروكربونية معقدة تُعرف بالـ«PAHs» أو «المركبات العطرية متعددة الحلقات». هذه الجزيئات الغنية بالكربون ترتبط منذ زمن بفرضيات نشأة الحياة، إذ يمكنها أن تشكّل الأساس لعمليات كيميائية تسبق ظهور الأحماض الأمينية. وجودها داخل بيئة غنية بالأكسجين مثل سديم الفراشة يؤكد أن المواد الأولية للحياة لم تُصنع على الأرض فحسب، بل ربما سافرت عبر الفضاء واستقرت في الأرض الوليدة. وهنا تتقاطع دراسة غبار النجوم مع نظريات الكيمياء الحيوية وأصل الكائنات.
خاتمة
الاكتشافات في سديم الفراشة تفتح نافذة جديدة على أسرار الكون: فهي تبيّن أن الغبار الكوني ليس مجرد مادة عابرة، بل حجر الأساس لتكوين النجوم والكواكب وربما بذور الحياة. من خلال تلسكوب جيمس ويب وأدوات رصد متطورة أخرى، نقترب رويداً رويداً من الإجابة عن السؤال الكبير: كيف بدأت الأرض، ومتى أشعلت شرارة الحياة الأولى في هذا الفضاء الواسع؟









