ذكاء اصطناعي

كارثة تذوب بصمت: صور فضائية ترصد انهيار أكبر نهر جليدي في أوروبا

مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

كشفت وكالة الفضاء الأوروبية صورة فضائية نادرة لآيسلندا خلال موجة حر قياسية في مايو 2025.

أبرزت الصورة، باستخدام الأشعة تحت الحمراء، تفاصيل دقيقة لتضاريس البلاد، بما في ذلك الأنهار الجليدية والحمم البركانية.

ظهر نهر "فاتنايوكوتل" الجليدي – الأكبر في أوروبا – بوضوح، ما يسلط الضوء على خطر تسارع ذوبانه.

تسهم هذه الصور في مراقبة التغيّرات المناخية وتُستخدم كأداة علمية لفهم ظواهر الذوبان والجفاف.

في لحظة نادرة خلت من السحب، كشفت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) النقاب في 17 مايو 2025 عن صورة فضائية مذهلة لآيسلندا، التقطها القمر الصناعي Sentinel-3 التابع لبرنامج "كوبرنيكوس"، لتُظهر تضاريس الجزيرة المعقدة بين الجليد والحمم البركانية بأدق تفاصيلها، في وقتٍ تزامن مع موجة حر قياسية ضربت البلاد، مما جعل من هذه الصورة أكثر من مجرد لقطة جميلة: إنها تحذير بصري صادم من تغيّر مناخي يطال أكثر المناطق هشاشة على سطح الأرض.


آيسلندا من الفضاء: أرض الجليد والنار تنكشف بتفاصيل غير مسبوقة

التُقطت الصورة باستخدام القناة القريبة من الأشعة تحت الحمراء في أداة تصوير المحيطات واليابسة (OLCI)، لتظهر آيسلندا كما لا تراها العين البشرية. النباتات ظهرت باللون الأحمر القاني، في تباين صارخ مع الأراضي البركانية الداكنة والحقول الجرداء، بينما بدت الثلوج والأنهار الجليدية في شرق البلاد بلون أبيض نقي وعاكس، كأنها صفحة ناصعة فوق صفيح ساخن.

في قلب هذا المشهد الطبيعي يظهر "فاتنايوكوتل"، أكبر نهر جليدي في أوروبا، والذي يمتد على مساحة هائلة تبلغ 8400 كيلومتر مربع، ويزيد متوسط سماكة جليده عن 900 متر، ما يجعله مخزون المياه المجمدة الأكبر في القارة الأوروبية بأكملها. إلى وسط البلاد، يبرز نهر "هوفسيوكول" الجليدي بشكل دائري شبه مثالي، ويخفي تحت طبقاته أحد أكثر البراكين نشاطًا في آيسلندا. أما في الغرب، فيُتمم "لانغيوكول" – الغطاء الجليدي المستطيل الضخم – هذا الثالوث الطبيعي الذي يُجسد في صمته صراعًا بين قوى الجيولوجيا والتغيّر المناخي.


تكنولوجيا الألوان الزائفة: عندما تُصبح الجماليات أداة علمية

ما يميز هذه الصورة ليس فقط نقاؤها البصري، بل الذكاء العلمي الكامن وراء ألوانها. إذ تسمح تقنية "الألوان الزائفة" للقمر الصناعي بتمييز دقيق بين الغطاء النباتي، التربة، والتكوينات الصخرية – وهي عناصر يصعب فصلها بصريًا في الصور الطبيعية. هذه التباينات ضرورية لتحليل صحة النظم البيئية، ورصد النشاط البركاني، وتقدير استخدامات الأراضي.

تُظهر خطوط خضراء زمردية عميقة تلتف حول الأنهار والبحيرات، نتيجة ترسبات معدنية غنية تُذيبها الأنهار الجليدية أثناء ذوبانها، ثم تُحمل هذه الرواسب إلى المحيط الأطلسي، حيث تُلون مياهه الساحلية بالأخضر اللامع، لتتحول إلى مؤشر طبيعي يستخدمه العلماء في تتبّع تدفق المياه الجليدية وتآكل التربة.

في أقصى الزاوية الشمالية الغربية من الصورة، بالقرب من سواحل غرينلاند، تكشف تموجات زرقاء فاتحة عن حركة كتل الجليد البحري العائمة التي تدفعها التيارات البحرية والرياح، لتضيف بُعدًا ديناميكيًا لصورة أقرب إلى لوحةٍ جيولوجية حية.


لحظة التوثيق... في قلب موجة حر استثنائية

لم تكن لحظة التقاط الصورة مصادفة، بل جاءت خلال ذروة موجة حر ضربت آيسلندا بين 13 و22 مايو 2025، وصُنفت بأنها من الأعلى حرارة والأقل رطوبة في تاريخ البلاد خلال هذا الشهر. في هذا التوقيت تحديدًا، سجّل جهاز قياس حرارة سطح الأرض والبحر (SLSTR) المثبت على القمر الصناعي، بيانات حرارية بالغة الأهمية تُسهم في تتبّع التغير المناخي على المدى الطويل.

أتاحت هذه النافذة المناخية النادرة فرصة لالتقاط ليس فقط صورة بانورامية واضحة للجزيرة، بل أيضًا لقياسات حرارية قد تكشف عن تسارع في وتيرة ذوبان الأنهار الجليدية، أو جفاف التربة، وهو ما يُثير قلق العلماء بشأن تكرار مثل هذه الظواهر، واحتمال كونها مؤشرات مبكرة على تغيّر نمط المناخ في أحد أكثر الأماكن هشاشة على كوكب الأرض.


في العمق: ذوبان الجليد ليس مشهدًا بصريًا فحسب

ذو صلة

يمثل ما نشهده في آيسلندا اليوم أكثر من مجرد تحوّل جيولوجي طبيعي؛ بل هو جرس إنذار لوتيرة تسارع الذوبان الجليدي في القارة الأوروبية. فالنهر الجليدي "فاتنايوكوتل" الذي كان يومًا رمزًا للثبات المناخي، يتحول تدريجيًا إلى مؤشر على خلل بيئي أعمق. إن قدرة الأقمار الصناعية الحديثة مثل Sentinel-3 على رصد هذه التغيرات، ودمجها مع البيانات الحرارية، تمنح العلماء أدوات تحليلية متقدمة لرسم ملامح مستقبل الأرض في مواجهة أزمة المناخ.

لكن، وسط هذا التطور التقني، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه البيانات نقطة انطلاق لتغيير السياسات البيئية، أم مجرّد تحذيرات أخرى تضاف إلى أرشيف الأزمة المناخية المتضخّم؟

ذو صلة