لعدّ التنازلي بدأ… متى ينتهي الزمن كما نعرفه؟

3 د
توقعات نهاية الكون أصبحت أقرب مما كان معتقداً سابقاً بفضل نظرية هوكينغ.
يشير تبخر الثقوب السوداء إلى تقليص المدة المتوقعة لعمر الكون.
يتساءل العلماء عن مصير المادة والزمن في ظل هذه الحسابات الجديدة.
التاريخ يظهر تعرض الأرض لأحداث انقراض كارثية، ما يهدد مستقبل البشرية.
نظريات مثل "الانسحاق الكبير" تقدم احتمالات مختلفة لمصير الكون.
من منا لم يتساءل يوماً عن مصير الكون ونهايته؟ مع استمرار تمدد الكون بسرعة مذهلة وفق ما ترصده أعين العلماء والتلسكوبات، يبقى السؤال الحائر: هل لهذا الاتساع حد؟ وهل هناك بالفعل نهاية للزمن نفسه؟ في السنوات الأخيرة، جدد فريق من العلماء في جامعة رادبود الهولندية النقاش حول موعد نهاية الكون، اعتماداً على نظرية قديمة طرحها العبقري ستيفن هوكينغ. فماذا تقول هذه التوقعات الجديدة، وهل تتهددنا نهاية الزمن أسرع مما اعتقدنا؟
متى ينتهي الكون؟
لعدة عقود، ساد الاعتقاد بين علماء الفيزياء والفلك أن الكون يمكن أن يستمر لأوقات تفوق الخيال البشري، بمدد زمنية تكتب بواحد يتبعه أكثر من ألف صفر! غير أن دراسة حديثة، بقيادة الفيزيائي مايكل وندراك والرياضي فالتر فان سوفليكوم، أعادت حساب أوراق هذه النظريات، مستندى إلى طرح ستيفن هوكينغ القائل إنّ الثقوب السوداء لا تستمر في النمو إلى ما لا نهاية، بل إنها تقوم بـ"تسريب" الطاقة تدريجياً حتى تتلاشى مع مرور الزمن. هذا الطرح، المعروف بمصطلح "تبخر الثقوب السوداء"، أسهم في تقدير جديد لعمر الكون، فهل تكون النهاية فعلاً أقرب إلينا مما نتصور؟ وتشير الحسابات الجديدة إلى أن الكون قد يعيش "فقط" عشرة مرفوعة للأس 78 من السنين (أي واحد وإلى جواره 78 صفراً)، وهو رقم ضخم بلا شك لكنه أقل كثيراً من أغلب التنبؤات السابقة.
مخاوف علمية: نهاية الزمن وأثرها على ماهية المادة
يرتبط مفهوم نهاية الكون بنهاية كل ما نعرفه من مادة وزمن. إذ تؤدي "تبخر الثقوب السوداء" إلى اختفاء آخر ما تبقى في فضاء الكون من أشكال المادة، لدرجة اختفاء فكرة الزمن نفسها كما اعتدناها. ففي حال بقاء ثقب أسود هائل وحيد، فإن ساعات الكون عندها تتوقف، حيث لا توجد لأي نوع من التغير – وهذا يعيدنا لواحدة من أكثر التأملات الفلسفية والعلمية عمقاً. من ناحية أخرى، نحن نعرف أن هناك مليارات المجرات في الكون لا تحصيها أجهزة ناسا نفسها، ما يثير استفهامات حول مصير جميع هذه الأجسام السماوية، وهل ستتمكن حقا الثقوب السوداء من استيعاب كل شيء أم أن هناك حلولًا غير متوقعة؟
وهذا يسلط الضوء على جدوى النظريات البديلة حول مصير الكون، مثل فرضية "الانسحاق الكبير" التي تفترض انقلاب التمدد الكوني إلى انكماش، أو احتمال ضخ طاقة الظلام – تلك القوة المجهولة التي تواصل توسيع حواف الكون – وتغيير السيناريو النهائي للوجود.
دروس من الماضي وتحديات المستقبل
إلى جانب تلك التحليلات الكونية، يتأمل العلماء في تاريخ الأرض نفسه، حيث تتعرض الحياة على كوكبنا لأحداث انقراض كارثية كل ملايين السنين تعيد رسم لوحة الحياة من جديد. فظهور الإنسان العاقل (الهومو سابينس) لم يحدث إلا بعد سلسلة ضخمة من الكوارث والانقلابات البيئية المدمرة، ومع ذلك فإن مستقبله ليس مأمون الجانب. حتى أن ستيفن هوكينغ نفسه كان قد حذر من إمكانية استنفاد البشر لموارد الأرض بالكامل خلال بضعة قرون فقط، مما قد يجعل الكوكب أشبه بكرة نارية قبل وصول الكون إلى نهايته الحقيقية.
وبالنظر إلى هذا السياق، تتجدد التساؤلات حول قدرة البشرية على النجاة أو التوسع في الفضاء، محافظين على وجود نوعنا لأطول فترة ممكنة، خاصّة مع الجهود التي يبذلها العلماء والمخترعون من أجل إيجاد بدائل للحياة خارج الأرض، والتوسع نحو مجموعات شمسية جديدة… وربما يشكل هذا بصيص أمل أمام كابوس نهاية الزمن.
وأخيراً، فإن هذه الاكتشافات الحديثة لا تهدف لإثارة القلق بقدر ما تضعنا أمام عمق اتساع الكون وغموض مصير الزمن نفسه. سواء كان المستقبل يحمل لنا تبخر المادة واختفاء الزمن أم انطواء الكون في انهيار عظيم، يبقى السؤال مفتوحاً: أين سيكون موقع الإنسان من كل ذلك، وهل ستمنحنا هذه المعرفة دافعاً جديداً لفهم ومن ثم حماية كوكبنا؟ يبدو أن دروس هوكينغ وتوقعاته تظل تُلهم العلماء اليوم في محاولة فهم النهاية الكبرى، لكنه أيضاً يجعلنا متواضعين أمام أسرار هذه الرحلة الكونية الغامضة.