ماسك لا يشبع من السلطة… هل نعيش بداية عهد ديكتاتور رقمي 😰

3 د
يرسل إيلون ماسك آلاف الأقمار الصناعية إلى الفضاء تحت شبكة "ستارلينك".
تخطط "ستارلينك" لتمكين الاتصالات الفضائية بين الكواكب مثل المريخ.
بات ماسك يمتلك سلطة التأثير على مصائر محلية ودولية بفضل "ستارلينك".
تنافس أمازون مع ستارلينك بمشروع "كايبر" لتوفير بديل في سوق الاتصالات الفضائية.
عندما أرسل إيلون ماسك الأقمار الصناعية الأولى له للفضاء قبل ست سنوات فقط، لم يكن هناك أكثر من 2000 قمر صناعي في المدار. الآن تتغير المعادلة تماماً، حيث تجاوز العدد 7000 قمر صناعي تابع لماسك وحده، تدور حول كوكبنا مثل سحابة من النحل الإلكتروني. شبكة "ستارلينك"، الاسم الذي تحمله هذه الأقمار الصناعية، باتت تمسك بقبضتها على عالم الإنترنت عبر الفضاء بشكل لم يسبق له مثيل.
ماسك ليس أول من يسيطر على السماء، لكنه بلا شك الأكثر تأثيراً في الفترة المعاصرة. في حديث مع المؤرخ الفضائي جوناثان ماكدويل، أكد لي أن هذا التوسع السريع لهيمنة فرد واحد في مدار الأرض "غير مسبوق تقريباً"، ثم أضاف مثالاً نادراً عمره أكثر من ستين عاماً، عندما كان الروسي سرجي كوروليوف المهندس الوحيد الذي يمتلك أقماراً صناعية في مدار الأرض بعد إطلاقه "سبوتنيك" الشهير عام 1957.
وهذا يقربنا من الخطط الكبرى التي أعلنها ماسك منذ بداية رحلته الفضائية: الاتصال عبر الفضاء للمستوطنات مستقبلًا على سطح المريخ أو قمر المشتري وحتى كواكب أخرى. قد يبدو الأمر خيالياً، إلا أنه أصبح جدياً خصوصاً عندما يطلب منهاج استخدام خدمة ستارلينك تأكيد المستخدم على "اعترافه بالمريخ ككوكبٍ حر لا تخضع أنشطته لأي سيادة أرضية".
ومع إن تلك الخطط تبدو بعيدة المنال، إلا أن تطبيقات ستارلينك تتحقق الآن وبسرعة هائلة. أكثر من 5 ملايين مشترك يستخدمون هذه الخدمة اليوم، من القرى النائية والصحارى وحتى السفن في أعماق البحار والطائرات المدنية والتجارية التي تعتمد عليها كتكنولوجيا اتصال رئيسية. وفي حالات الحروب والكوارث، باتت ستارلينك أداة حيوية، فحينما يقطع الاتصال في ميانمار أو السودان أو حتى في غزة خلال الأزمات، اتجهت الأنظار إلى السماء واستخدمت أقمار ماسك لإعادة التواصل.
وهنا بالذات تظهر المخاوف الجدية بشأن السلطة التي بات يملكها شخص واحد قد يتحكم بمصائر أمم وحروب. يتحدث المحللون عن قوة جيوسياسية لا يستهان بها بيد إيلون ماسك؛ فسبق للبنتاغون أن اضطر للجوء إليه شخصياً عندما أراد أن يمنع استخدام ستارلينك لتنفيذ عمليات عسكرية ضد روسيا في أوكرانيا. والنتيجة ليست بسيطة:
رجل أعمال خاص قادر الآن على قلب الموازين في صراعات عالمية بمجرد "ضغطة زر"
في الواقع، اعتماد دول كبرى مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية على إطلاقات سبيس إكس خلال السنوات الماضية زاد من القلق والمخاوف حول سيطرة شركة واحدة على قطاع استراتيجي كهذا. هناك مبادرات أوروبية مقابلة ولكنها تعاني من البطء التقني وضعف الإنتاجية—حتى أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أعلنت مؤخراً عن تفضيلها التعامل مع ستارلينك. الصين أيضاً تحاول بناء شبكة منافسة، إلا أنها لا تزال في مراحلها الأولى من التطبيق العملي.
وفي ظل نقص البدائل المتاحة حالياً، يبدو أن واحدة من الشركات القليلة التي قد تحد من هيمنة ماسك هي عملاق التجارة الإلكترونية أمازون، الذي بدأ مؤخراً بإطلاق أقمار صناعية ضمن مشروع "كايبر". إذا تمكّنت أمازون من تعزيز مشروعها وإنتاج أعداد كبيرة من الأقمار الصغيرة والمتطورة، فإن المنافسة مع ستارلينك قد تصبح أكثر حدّة خلال الأعوام القليلة القادمة.
هذا كله يعني أننا قد نكون على أعتاب عصر جديد، تكون فيه خدمات الإنترنت الفضائية العمود الأساسي لاتصالات البشر على مستوى الكوكب. لن يقتصر ذلك على تصفح الويب أو مشاهدة الأفلام فقط، بل سيمتد لحياتنا اليومية وأعمالنا والتواصل الأمني والعسكري أيضاً. هذا المستقبل قد يفسر ربما سرعة ماسك في تطوير صاروخ "ستارشيب" الجديد الذي بإمكانه نقل حتى 100 قمر صناعي دفعة واحدة، مما يبشر بحلول عصر "الإنترنت الفضائي الهائل" خلال سنوات قليلة.
في النهاية، العالم اليوم بحاجة إلى توسيع النقاش بشكل جاد حول هذه الهيمنة الفضائية الجديدة، لان تركّز القوة بيد فرد أو مؤسسة واحدة بهذه الصورة الممكنة قد يطرح تساؤلات خطيرة ويرتب مسؤوليات عالمية. ربما تكون الخطوة التالية نحو الأمام هي تعزيز التعاون بين الحكومات والشركات الأخرى لتطوير شبكات اتصالات منافسة ومتنوعة في الفضاء، أو على الأقل وضع ضوابط تضمن العدالة والتوازن في استخدام المدار حول الأرض، سطحاً افتراضياً جديداً أصبح واقعيًا جداً.