ذكاء اصطناعي

ما كان أينشتاين يراه مستحيلًا أصبح اليوم قابلًا للتطبيق… والكم يثبت أن الشبح حقيقي

محمد كمال
محمد كمال

3 د

نجح باحثون يابانيون في فهم وقياس "حالة W" في التشابك الكمي.

هذا الإنجاز يمهد الطريق لثورة في الحوسبة الكمية والاتصالات الآمنة.

كانت "حالة W" واحدة من التحديات المعقدة التي حيرت العلماء لعقود.

الباحثون استخدموا "التماثل الدوري" لتطوير تقنية قياس جديدة وفعالة.

في خطوة وُصفت بالاختراق العلمي الكبير، أعلن باحثون من جامعتي كيوتو وهيروشيما عن نجاحهم في فهم وقياس ما يُعرف بـ“حالة W” في ظاهرة التشابك الكمي، وهو إنجاز ظل بعيد المنال لعقود طويلة. هذا الاكتشاف لا يقف عند حدود النظرية، بل يُرجّح أن يكون الأساس لثورة قادمة في الحوسبة الكمية وشبكات الاتصالات فائقة الأمان، وربما حتى في تقنية “الانتقال الكمي” للمعلومات.

وهنا تبدأ أهمية الخبر، إذ أن ما تحقق اليوم يعيد ربط الأبحاث الحالية بالمحاولات العلمية التي انطلقت منذ بدايات القرن العشرين.


من “عمل شبحي” إلى أساس التقنية الحديثة


التشابك الكمي وُصف أول مرة عام 1935 فيما يُعرف باسم مفارقة “EPR” التي طرحها آينشتاين وزميلاه بودولسكي وروزن. يومها رأى آينشتاين في الأمر “فعلاً شبحياً عن بُعد”، لأن حالة جسيم يمكن أن تؤثر فوراً في جسيم آخر مهما ابتعد المكان بينهما. ورغم الرفض الأولي لهذه الفكرة الغريبة، فقد تحوّلت مع مرور الوقت إلى ركيزة للتقنيات الكمية الناشئة، مثل الاتصالات غير القابلة للاختراق، الحوسبة فائقة القدرة، وحتى نقل المعلومات بين فوتونات متشابكة فيما يُعرف بالانتقال الكمي.

هذا الربط بين الماضي ومعارضة آباء الفيزياء الكلاسيكية، وما وصلت إليه التجارب اليوم، يبرز ضخامة النقلة التي تحدث الآن.


عقبة حالة W


مشكلة الباحثين لعقود كانت تكمن في أن التحقق من حالة عدة فوتونات متشابكة في آن واحد بالغ التعقيد. ورغم أن العلماء تمكنوا من دراسة حالات معينة مثل GHZ، فإن الوصول إلى حالة W كان أشبه بعقدة مستعصية. هذه الحالة بالذات تتميز بخصائص فريدة تجعلها مهمة لفهم سلوك الفوتونات والتلاعب بها في التجارب الكمية.

ومن هنا يتضح أن ما أنجزه الفريق الياباني ليس مجرد تحسين تقني، بل كسر لحاجز ظلّ يمنع المجتمع العلمي من التقدم بثقة نحو تطبيقات عملية.


الحل الياباني المبتكر


الباحثون ركّزوا على خاصية “التماثل الدوري” في حالة W وطوّروا أسلوب قياس جديد يعتمد على دوائر كمية ضوئية وتحويل فورييه الكمي. وبفضل هذا النهج تمكن الفريق من إجراء قياس “مرة واحدة” يميز الحالة دون الحاجة إلى آلاف المحاولات. في التجارب الأولى باستخدام ثلاث فوتونات، أثبت الجهاز استقراره ودقته وقدرته على العمل لساعات طويلة بشكل مستقل.

هذه التجارب ليست مجرد إثبات مفهوم، بل بداية لتقنية يمكن أن تُستخدم مستقبلاً في مختبرات وشبكات عملية.


آفاق واسعة تقود للمستقبل


انعكاسات هذا العمل تفوق حدود المختبر. فهو يقرّبنا أكثر من بناء شبكة إنترنت كمية عالمية، ونظم اتصالات لا يمكن اختراقها، إضافة إلى إمكانيات هائلة لمحاكاة التفاعلات في مجالات مثل الطب والمناخ وتصميم المواد. كما يرى الباحثون أن هذا الاكتشاف قد يسرّع أيضاً الحوسبة القائمة على القياس الكمي، وهو محور رئيسي يدفع نحو تطوير الحواسيب الكمية لما بعد مرحلة التجارب.

وهنا يعود الربط مجدداً، إذ أن ربط حالة W بمستقبل الإنترنت الكمي يجعل الاكتشاف حلقة أساسية في خارطة الطريق للعلوم والتكنولوجيا.

ذو صلة

خاتمة


إن ما حدث في اليابان ليس مجرد إنجاز أكاديمي، بل خطوة عملية نحو استغلال القوة الكاملة للتقنيات الكمية. من تشكيك آينشتاين إلى مختبرات كيوتو وهيروشيما، يواصل العلم الإفراج عن أسرار الكون الأصغر حجماً، لكن الأكثر تأثيراً على مستقبل البشرية. الاكتشاف اليوم قد يكون الشرارة التي تدفع بالحوسبة الكمية والانتقال الكمي من صفحات الأبحاث إلى قلب حياتنا اليومية.

ذو صلة