مومياوات عمرها 7000 عام تكشف عن “بشر غامضين” لا علاقة لهم بنا!

3 د
اكتشف العلماء مومياوات عمرها 7 آلاف سنة في الصحراء الليبية.
الحمض النووي للمومياوات يكشف عن سلالة شمال أفريقية غير معروفة سابقاً.
ربط الاكتشاف ببيئة خصبة كانت في العصر المطير الأفريقي.
النتائج تدعم انتشار الرعي عبر التبادل الثقافي وليس الهجرة.
اكتشافات الموقع تفتح الباب لفهم التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة.
في عمق الصحراء الليبية، وبين كثبان الرمال التي نعرفها اليوم كأقسى البيئات على وجه الأرض، عثر العلماء على مومياوات محنطة طبيعياً تعود إلى نحو سبعة آلاف سنة. لكن المفاجأة لم تكن فقط في قدم هذا الاكتشاف، بل في أن الحمض النووي المحفوظ بداخلها لا يتطابق مع جينات أي من الشعوب الحديثة التي نعرفها الآن.
الحديث هنا عن موقع **تاكاركوري** الصخري جنوب غربي ليبيا، حيث وُجدت بقايا نساء من الحقبة النيوليتية، كنّ على الأرجح راعيات ماشية خلال فترةٍ كانت الصحراء فيها مختلفة تماماً. ففي ما يُعرف بالعصر المطير الأفريقي، أي ما بين 14 ألفاً و800 سنة وقرابة خمسة آلاف وخمسمائة سنة مضت، لم تكن الصحراء الكبرى صحراء قاحلة، بل أرضاً خضراء عامرة بالبحيرات والسهول والبحيرات الصغيرة. وهذا يربط مباشرة بين حياة هؤلاء النساء والطبيعة الخصبة التي سمحت لمجتمعات بشرية بالاستقرار هناك.
سلالة جينية مجهولة الجذور
الفحوصات التي قادتها عالمة الجينات القديمة ندى سالم من معهد ماكس بلانك أظهرت أن الحمض النووي لتلك المومياوات يعود إلى سلالة شمال أفريقية غير معروفة سابقاً. سلالة انعزلت لآلاف السنين عن المجموعات البشرية جنوب الصحراء، وبقيت متمايزة مثل خط منفصل في شجرة العائلة البشرية. ومن المثير أن هذه الجينات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسكان قدماء عُثر عليهم في **كهف تافورالت** بالمغرب، والذين عاشوا قبل 15 ألف سنة. وهذا يكشف عن شبكة بشرية معقدة في شمال أفريقيا، بعيدة نسبياً عن التأثيرات الوراثية القادمة من الجنوب.
وإذا انتقلنا إلى سؤال التفاعل مع البشر الآخرين مثل النياندرتال، فالأبحاث تشير إلى أن مومياوات تاكاركوري تحمل نسبة ضئيلة جداً من آثار جينات النياندرتال، أقل حتى من نظيراتها في المغرب، ومع ذلك فهي أكثر من تلك الكائنة عند الشعوب الأفريقية جنوب الصحراء. هذا التناقض يلقي بظلال إضافية حول طبيعة التواصل والتداخل بين المجموعات القديمة.
انتشار الرعي عبر الثقافة لا الهجرة
هنا يظهر عنصر آخر لافت. فقد كان الاعتقاد السائد أن تقنيات الزراعة والرعي انتشرت عبر هجرات متواصلة من منطقة إلى أخرى. لكن تحليل هذه المومياوات يدعم فرضية جديدة: أن الرعي انتشر بالتبادل الثقافي، حيث تعلمت المجموعات المحلية طرق تربية الحيوانات وصناعة الأدوات من جيرانها، من دون اندماج وراثي كبير أو تدفق جيني واضح. وهذا يضيف بُعداً اجتماعياً مثيراً لطبيعة التغيرات الثقافية آنذاك.
وهذا يقودنا للنظر في البيئة نفسها؛ فالصحراء الخضراء القديمة لم تكن منطقة موحّدة، بل فسيفساء من بحيرات وغابات وسهول وجبال. مثل هذا التنوع البيئي خلق حواجز طبيعية حدّت من التواصل المتكرر بين المجتمعات البشرية، وجعل بعض السلالات في عزلة شبه تامة، كما حدث مع أهل تاكاركوري.
أدوات وبدايات الحضارة
المثير أكثر أن أسلاف هذه المجموعة، ورغم كونهم صيادين وجامعي ثمار قبل عصر الزراعة، أبدعوا في أدوات الفخار وصناعة السلال وأدوات العظم والخشب. كما أظهروا ميلاً للاستقرار في مناطق محددة لفترات أطول من أسلافهم، ما يفتح الباب للتساؤل حول حجم التطور الاجتماعي والاقتصادي آنذاك.
خاتمة
اكتشاف مومياوات تاكاركوري ليس مجرد لمحة أنثروبولوجية، بل نافذة نحو فهم أعمق لتاريخ شمال أفريقيا وعلاقته ببقية العالم القديم. فبين دفء الواحات القديمة وقسوة الصحراء المعاصرة، تقف هذه السلالة الغامضة شاهداً على تنوّع التجارب البشرية وثراء التراث الجيني الذي لم نكشف إلا عن جزء منه حتى الآن. وربما تحمل رمال الصحراء المزيد من الأسرار المدفونة التي ستعيد كتابة قصة الإنسان في أفريقيا.









