نهاية عصر الضوضاء؟ الحوسبة الكمّية تقترب من الحوسبة الخالية من الأخطاء

3 د
تعتبر الحوسبة الكمومية أسرع من الحواسيب التقليدية، لكنها حساسة للغاية للاضطرابات.
يعتمد الكمبيوتر الكمومي على "التشابك الكمومي" لربط الجزيئات بشكل غريب وفوري.
تؤثر التغيرات البيئية على الحواسيب الكمومية، مما يسبب ضياع المعلومات وأخطاء.
اكتشف العلماء طريقة باستخدام "الطوبولوجيا" لحماية المعلومات الكمومية من الضجيج.
تفتح هذه التكنولوجيا آفاقًا جديدة لتطبيقات عملية في أنظمة الحوسبة والشبكات الكمومية.
تخيلوا معي جهاز كمبيوتر يستطيع القيام بالحسابات المعقدة بسرعة مذهلة، لا يمكن مقارنتها بأي كمبيوتر تقليدي نعرفه الآن. نعم، هذه التكنولوجيا موجودة بالفعل وتُعرف بـ "الحوسبة الكمومية"، لكن المشكلة التي تواجه العلماء حاليًا هي أن هذه التكنولوجيا حساسة للغاية وتتعرض إلى اضطرابات تُسمى "الضجيج" (Noise)، هذه الاضطرابات تأتي غالبًا من أجزاء صغيرة جدًا من البيئة المحيطة مثل الذرات أو تغيرات طفيفة في الحرارة أو حتى من أشعة الضوء نفسها.
قد يبدو الأمر معقدًا نوعًا ما، لذلك دعوني أبسطه لكم قليلًا: تعتمد الحواسيب الكمومية بشكل رئيسي على خاصية مدهشة تُسمى "التشابك الكمومي" أو "Quantum Entanglement". هذه الخاصية تتيح لجزيئات صغيرة جدًا مثل الفوتونات (وهي جزيئات الضوء) أن ترتبط مع بعضها ارتباطًا غريبًا بحيث تتشارك المعلومات فيما بينها، وحتى إذا كانت مفصولة بمسافات بعيدة ستظل مرتبطة وتؤثر بعضها على بعض في لحظة واحدة، مما يسمح للكمبيوتر بمعالجة عدد كبير من العمليات الحسابية في الوقت نفسه، بدلًا من أداء مهام واحدة تلو الأخرى كما تفعل الأجهزة التقليدية.
المشكلة الرئيسية: "الضجيج" يدمر فعالية أنظمة الحوسبة الكمومية
لكن، حتى الآن، تظل هذه القدرات المميزة لأنظمة الكم محدودة في المعامل أو التطبيقات الصغيرة، والسبب في ذلك يعود إلى حساسية هذه الأنظمة الشديدة لأي تأثيرات خارجية. ببساطة، أي اضطراب بسيط في البيئة يخل بهذا التشابك الكمومي، ما يُطلق عليه العلماء اسم "فقدان الترابط" (Decoherence)، مما يؤدي إلى ضياع المعلومات الكمومية وحدوث أخطاء في الحسابات المعقدة التي يُفترض أن تؤديها هذه الحواسيب.
وعن هذه المشكلة الكبيرة، يقول البروفيسور أندرو فوربس - أستاذ الفيزياء في جامعة ويتواترسراند في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا وأحد الباحثين المشاركين في الدراسة الجديدة:
"الشركات تتحدث عن قدرة امتلاك آلاف من الكيوبت (الوحدات الأساسية المكونة للكمبيوتر الكمومي تشبه البيت bit في الكمبيوتر التقليدي)، لكن أغلبها غير فعّال عمليًا بسبب الضجيج، ولا جدوى من زيادة عدد الكيوبت إلا إذا حلّينا هذه المشكلة."
الحل الجديد: استخدام "الطوبولوجيا" لحماية المعلومات من التشويش
هنا تأتي الآن تطورات مثيرة توصل إليها فريق من العلماء مؤخراً، حيث اكتشف الباحثون طريقة جديدة تجعل من الممكن حماية المعلومات الكمومية من هذه التأثيرات السلبية باستخدام خاصية تسمى "الطوبولوجيا" أو "Topology". والطوبولوجيا - باختصار - هي دراسة الخصائص المرتبطة بأشكال الأجسام وبنيتها، دون النظر لتفاصيلها الدقيقة.
استخدم الباحثون "سكيرميون ضوئي" (optical skyrmion)، وهو نوع خاص من التركيب الذي يظهر حينما يتشابك فوتونان (جسيمان من الضوء) بطريقة معيّنة. وباستخدام هذا السكيرميون الطوبولوجي توصل الفريق إلى أن ما يحتويه من معلومات وبيانات يبقى صامدًا وثابتًا بشكل واضح حتى في الظروف البيئية الصعبة للغاية والمليئة بالضوضاء.
ويشرح البروفيسور فوربس الفكرة بقوله:
"في السابق كانت المحاولات تركز دائمًا على الحفاظ على التشابك الكمومي ومنع اختلاله، لكننا قررنا أن نسير في طريق مختلف تمامًا، بدلًا من محاولة حماية التشابك، تركناه يتضاءل بحرية إلى حد معين واكتشفنا أنه طالما بقي أي قدر ولو ضئيل من التشابك، تظل التركيبة الطوبولوجية مختلفة وتحافظ على المعلومات."
مستقبل واعد للحواسيب والشبكات الكمومي
تفتح هذه النتائج المبشرة الباب أمام تطبيقات عملية وفعالة لأنظمة الحوسبة الكمومية والشبكات الكمومية، التي يمكن أن تعمل بشكل مستقر في بيئات واقعية، وليس فقط في المختبرات المُراقبة بدقة فائقة.
وأكد الباحثون أنهم حاليًا يعملون على تطوير تقنية متكاملة تعتمد على هذه الطريقة الجديدة، أي "حقيبة أدوات طوبولوجية" تمكّنهم من تشفير المعلومات ونقلها واسترجاعها بكل سهولة، الأمر الذي يقربنا خطوة هائلة نحو تحقيق الحلم الكبير المتمثل في وجود شبكات كمومية فعالة وكمبيوترات ذات قوة حاسوبية خارقة.
في النهاية، قد يكون هذا الاختراق العلمي الرائع أحد أهم الإنجازات لتحويل الحوسبة الكمومية من مجرد مفهوم نظري إلى تكنولوجيا عملية منتشرة، تمهد الطريق لمستقبل تكنولوجي متقدم في شتى المجالات.