ذكاء اصطناعي

وداعًا للوخز بالإبر… اختبار تنفسي يكشف السكري في دقائق!

محمد كمال
محمد كمال

4 د

طوّر باحثون في جامعة بنسلفانيا جهازًا جديدًا يكشف عن السكري خلال دقائق بتحليل النفس.

التقنية تعتمد على قياس نسبة الأسيتون في الزفير باستخدام مجس بالغ الحساسية.

يعتمد المجس على مادة الغرافين المستحث بالليزر وأكسيد الزنك لحساسية أفضل للأسيتون.

الجهاز يقدم بديلاً ساخراً عن اختبارات الدم التقليدية للكشف عن السكري.

يطمح الباحثون لتطوير نسخة تُستخدم تحت الأنف أو داخل الكمامات الطبية مستقبلاً.

تخيل أنك تستطيع اكتشاف احتمال إصابتك بالسكري بمجرد إطلاق زفير في كيس صغير، وبدون حقن أو إبر أو انتظار التحاليل! هذا الأمر أصبح قريباً جداً بفضل اختراع جديد لطيف جاء من جامعة "بنسلفانيا ستيت" بالولايات المتحدة؛ حيث طوّر فريق بحثي جهازاً، يمكنه التعرف على مرض السكري خلال دقائق، فقط بتحليل النفس.

تمثل صعوبة الفحص والاكتشاف المبكر للسكري تحدياً أمام ملايين الأشخاص حول العالم، إذ تعتمد الفحوصات التقليدية غالباً على اختبارات الدم في العيادات أو المختبرات، وهذا ما يجعل الأمر مكلفاً وأحياناً غير عملي. لكن التقنية الجديدة تغيّر قواعد اللعب تماماً، إذ تعتمد على دراسة مركّب اسمه الأسيتون داخل هواء الزفير، بوساطة مجس بالغ الدقة صنع من مادة الغرافين المستحث بالليزر. هذه المادة الطليعية توفّر حساسية استثنائية للكشف عن جزيئات الأسيتون، وهو مؤشر مهم على وجود مرض السكري، خصوصاً حين تكون نسبته في النفس أعلى من المعدل الطبيعي البالغ 1.8 جزء في المليون.

ولربط هذه الفكرة ببقية طرق التشخيص التقليدية، من المهم معرفة أن تحاليل الدم أو العرق للكشف عن مستويات الغلوكوز تتطلب في الغالب خطوات طويلة أو حتى جهد بدني لاستثارة العرق، بينما المجس الجديد يحتاج فقط لنفخة هواء في ظرف معقّم، ليعطي نتيجة خلال دقائق بدون آلام أو متاعب. الباحث الرئيسي، الدكتور هوانيو "لاري" تشينغ، يؤكد أن هذه المقاربة فريدة من نوعها لأنها تمكّن من إجراء فحص دقيق في نفس الموقع ودون الرجوع للمختبر.


كيف يعمل الجهاز: أسرار الغرافين والزنك ومعركة الرطوبة


من هذا المحور، من المفيد التعمق قليلاً في التكنولوجيا المدهشة خلف الاختراع. المجس يعتمد على الغرافين الذي ينتج عن معالجة أفلام بوليمر خاصة بواسطة ليزر ثاني أوكسيد الكربون، وهو ما ينتج نسقاً دقيقاً من الكربون النقي ذي مسامات متناهية الصغر. هذه المسامية العالية تمنح الجهاز قدرة فائقة على "التقاط" جزيئات الأسيتون وسط الرطوبة الكثيفة التي تخرج مع الزفير.

إلا أن التحدي الأكبر كان أن الغرافين بمفرده لا يميز بين الأسيتون وغيره من المركبات الغازية بالنفس، ولهذا عمد فريق البحث على دمجه مع أكسيد الزنك، ما أدى لتشكّل حاجز انتقائي يضاعف الحساسية تجاه الأسيتون تحديداً. وأهمية هذه النقطة أن الزفير بطبيعته يحوي رطوبة عالية جداً، وهذا يمكن أن يؤثر على دقة المجس ويزيد من تدخل جزيئات الماء. للتغلب على ذلك، صُممت طبقة حاجزة إضافية تمنع تسرب الرطوبة للسطح الحساس، مع السماح للأسيتون فقط بالمرور والوصول للمستشعر.

الحديث عن التخلص من متاعب سحب عينات الدم أو الإحساس بالقلق من "إبرة التحليل" أمر يهم الكثيرين، وهو جوهر التطور الذي تكشفه هذه التقنية. هنا يتضح الربط بينها وبين العمل الجاري عالمياً لجعل تشخيص الأمراض أكثر سهولة وانتشاراً، خاصة مع وجود ملايين المرضى غير المشخصين أو ممن يصعب رصدهم بالطرق المعتادة.

ومن الطبيعي أن يتساءل القارئ عن الخطوة التالية: هل سنلمس قريباً هذه الأجهزة في عياداتنا أو حتى منازلنا؟ في الوقت الحالي، يحتاج التشخيص إلى نفخ الزفير في كيس خاص لتفادي أي تأثير للهواء المحيط، لكن فريق البحث يعمل على تطوير المجس ليكون صالحاً للتركيب مباشرة تحت الأنف أو حتى داخل الكمامات الطبية. الفوز الحقيقي سيكون حين يتحول الفحص مستقبلاً إلى روتين منزلي بسيط، خاصة مع أهمية مراقبة نسب الأسيتون في مراقبة صحة من يعانون من ارتفاع أو انخفاض السكر، واستعمالها في ضبط النشاط الغذائي والرياضي.


آفاق مستقبلية: هل يصبح تحليل النفس معياراً لمتابعة الصحة؟


هنا نجد أنفسنا أمام إمكانيات واسعة لا تقتصر فقط على تشخيص السكري. الدكتور تشينغ وفريقه يؤمنون بأن فهم التغيرات اللحظية في نسب الأسيتون بالنفس، وعلاقتها بالنظام الغذائي أو النشاط البدني، قد يفتح المجال مستقبلاً للوقاية من المرض أو تحقيق متابعة صحية أدق للفئات المعرضة للخطر. هذا يقود طموحاتهم لاستخدام تقنيات التحليل السريع للتنفس كبوابة للرصد الصحي اليومي، ليس فقط للكشف بل وحتى للتحكم في نمط الحياة والغذاء.

ذو صلة

ولعل الأهم للقارئ العربي خاصة؛ أن هذه التقنيات هي ثمرة لتضافر علم المواد الحديثة، مثل الغرافين، مع التقانة الحيوية والاستشعار الذكي، لترسم مستقبلاً يحمل لنا تشخيص الأمراض بدون ألم أو معاناة أو كثرة زيارات للعيادات. تم دعم هذا المشروع من مؤسسات علمية مثل معاهد الصحة الوطنية ومؤسسة العلوم الوطنية بالولايات المتحدة، وهو ما يزيد من فرص رؤية هذه التقنية تنتشر عالمياً قريباً.

في الختام، تظهر هذه المبادرة كيف يمكن للابتكار أن يمد جسراً بين التشخيص الدقيق وسهولة الاستخدام، ويقرّبنا أكثر من عالم خالٍ من المفاجآت الصحية غير المرغوبة. اختبار تنفس السكري ثورة علمية قد تغير حياة ملايين الأشخاص، وتمنحهم راحة البال وطمأنينة التشخيص اليومي السريع.

ذو صلة