110 ملايين سنة اختفت… والمطر أعاد الديناصورات للحياة!

3 د
الأمطار الغزيرة في تكساس تكشف عن آثار ديناصورات عمرها 110 مليون سنة.
الآثار المكتشفة تعود لديناصور أكروكانثوصوروس، أحد أضخم آكلي اللحوم.
السلطات تشدد على حماية الموقع والحفاظ على الآثار المكتشفة.
الفيضانات تسببت بكارثة إنسانية ومأساة بجانب الاكتشاف العلمي.
الحدث يسلط الضوء على ذاكرة الأرض وقصصها من عصور ما قبل التاريخ.
تخيل أن تمشي في حيّك المعتاد، وفجأة تلمح آثار أقدام ضخمة تعود لكائنات عاشت قبل ملايين السنين. قد يشبه المشهد إحدى لقطات أفلام الديناصورات، لكن هذا حدث بالفعل في ولاية تكساس الأمريكية، عندما كشفت الفيضانات العنيفة عن كنز دفين من حقبة الديناصورات، مانحة العالم نافذة مذهلة على الماضي السحيق.
ذات صباح عاصف في يوليو، اجتاحت العواصف الرعدية مناطق هيل كانتري في تكساس بفيضانات غير مسبوقة. بلغ منسوب المياه في بعض الأماكن ستة أمتار وتسببت السيول باجتثاث الأشجار والسيارات وحتى بعض المنازل من جذورها. وبينما كانت فرق الإنقاذ والمتطوعون يحاولون انتشال العالقين ومساعدة الأهالي، حدث ما لم يكن متوقعاً: انحسار المياه الشديدة أزاح طبقات ضخمة من الطين والصخور، ليظهر أسفلها شيء مذهل. وهكذا، ربطت مأساة هذه الفيضانات بكشف علمي قد لا يتكرر.
الآثار المكتشفة: نافذة على عصور ما قبل التاريخ
وبين ركام الفيضانات في منطقة ساندي كريك، لمح أحد المتطوعين خمسة عشر أثراً ضخماً على هيئة أصابع ثلاثة متفرقة. سارع العلماء لتفحصها، وأكدوا أنها تعود لديناصور من نوع أكروكانثوصوروس، وهو أحد أضخم الديناصورات آكلة اللحوم التي سكنت أمريكا الشمالية بين 110 و115 مليون سنة خلت، حسبما تشير طبقات الصخور المعروفة بتكوين "غلين روز". ومن المذهل تصور تلك اللحظة التي كان فيها الديناصور يعبر أرضاً موحلة، فانطبعت خطواته في الأرض، لتتصلب بمرور الزمن وتتحول إلى سجل حجري نادر.
إن هذا الاكتشاف يسلّط الضوء على التنوع البيولوجي القديم في تكساس، ويعيد للأذهان شهرة الولاية كمتحف طبيعي لآثار الديناصورات، حيث اكتشفت آثار مماثلة في عدة مواقع، لكنها في كل مرة تضيف لفهم العلماء عن حركة تلك الكائنات الضخمة وسلوكها.
وتبعاً لذلك، شددت السلطات على أهمية حماية هذا الموقع الأثري النادر. فقد طُلب من عمال الإنقاذ والمتطوعين تجنب استخدام المعدات الثقيلة في محيط الآثار، وتم تسييج المكان مؤقتاً، لتتمكن فرق الآثار من توثيق البصمات والحفاظ عليها لأجيال قادمة. فالعلماء يرون في هذه الاكتشافات مادة حية لدراسة البيئات القديمة وتركيب الأرض أثناء زمن الديناصورات.
فيضانات تكشف عن ذاكرة الأرض
لكن، وعلى الرغم من الفرحة بالاكتشاف العلمي، يختلط الأمر هنا بمشاعر الحزن، إذ أن الفيضانات التي كشفت عن آثار الديناصور أودت بحياة أكثر من مئة شخص وتسببت بتشريد عشرات العائلات. وهذا يضفي على الحادثة طابعاً مركباً يجمع بين الذهول العلمي والألم الإنساني، ويجعل من اكتشاف الآثار رمزاً لذاكرة الأرض التي تختزن قصصاً عنقودية بين الحياة والمعاناة عبر الزمن.
ما يعزز أهمية هذا الحدث هو الشعور الذي انتاب سكان المنطقة عند وقوفهم وجهاً لوجه مع بقايا عصر منقرض تماماً، يمسح ببصيرته على حاضرهم المضطرب. إذ بات يُمكن لأي شخص هناك أن يتخيل كيف كانت الأرض ذات يوم ساحة تطأها أقدام مخلوقات عملاقة، وأن العواصف نفسها التي تجلب الدمار قد تكشف فجأة عن أسرارٍ لم نفكر يوماً أن نراها.
وفي نهاية المطاف، يستفيد علماء الجيولوجيا والأنثروبولوجيا وعشاق الديناصورات من كل اكتشاف مماثل، فهو يقرّبنا خطوة جديدة لفهم التاريخ الغامض للحياة على كوكبنا، ويمنح الناس فرصة نادرة ليشعروا أن عقارب الزمن عادت بهم إلى الوراء لملايين السنين. وبين الدرس المؤلم الذي خلفته الكارثة الطبيعية والهدية العلمية غير المتوقعة، تظل آثار الديناصورات في تكساس شاهداً نابضاً على أن الأرض ما زالت تخبئ لنا مفاجآت لا تخطر على البال.
هكذا، جمعت آثار أقدام الديناصور بين الدهشة والأسى، ولم تترك لنا سوى سؤال واحد: ترى، ماذا تخفي تربتنا بعد من أسرار؟