ذكاء اصطناعي

أثر كارثة كونية… زجاج نادر يفضح اصطدام كويكب غيّر تاريخ الأرض.

محمد كمال
محمد كمال

3 د

عثرت أبحاث في أستراليا على شظايا زجاجية ناتجة عن ارتطام كويكب ضخم.

تُشبه القطع المكتشفة التيكتايت في الخصائص الكيميائية وتعود لحوالي 11 مليون سنة.

الاكتشاف يشير إلى أن الكويكب اصطدم بمنطقة بركانية معقدة في أستراليا.

تقنيات حديثة حددت عمر الشظايا وجددت فهم الحوادث الكونية التي واجهتها الأرض.

الدراسات مستمرة للبحث عن الفوهة المفقودة وتفسير التأثيرات الكونية السابقة.

بين كثبان الصحراء الأسترالية، تمكن فريق من العلماء من العثور على شظايا صغيرة تشبه الزجاج، لكنها ليست من صنع الإنسان ولا الطبيعة البركانية المعتادة. هذه القطع تعود إلى لحظة مهيبة في تاريخ الأرض: ارتطام كويكب ضخم أذاب الصخور السطحية، وقذفها في السماء لتبرد سريعاً قبل أن تعود إلى سطح الكوكب في صورة حبات من زجاج طبيعي فريد.

وهذا ما يفتح الباب لفصل جديد من قصص الكواكب والفضاء، حيث تحمل هذه القطع الزجاجية بصمة كيميائية فريدة تكشف أن أستراليا كانت شاهدة قبل ملايين السنين على حادثة سماوية غير معهودة.


أدلة جيولوجية على حدث لم يسبق رصده


الباحثون أكدوا أن هذه الشظايا تختلف كلياً عن الرواسب المعروفة في المنطقة، فهي أقرب إلى ما يسمى **التيكتايت**، وهو زجاج ناجم عن سقوط النيازك. التشابه ليس فقط في الشكل، بل أيضاً في الخصائص الكيميائية مثل انخفاض نسبة الماء ووجود حبيبات دقيقة من السيليكا النقية. هذا الدليل يربط الاكتشاف بأحداث تصادمية عنيفة شهدها الغلاف الأرضي قبل نحو 11 مليون سنة.

ومن هنا ينتقل النقاش العلمي إلى دراسة التركيب الكيميائي غير المألوف لهذه القطع، والذي يشير إلى أن الكويكب لم يرتطم بقشرة قارية عادية بل بمنطقة بركانية أكثر تعقيداً.


كيف حدد العلماء عمر هذه الشظايا؟


فك اللغز لم يكن مجرد تخمين. الفريق اعتمد تقنية دقيقة تعرف باسم **جيوكرونولوجيا الأرجون–أرجون (40Ar/39Ar)**، وهي وسيلة تحلل نظائر الأرجون داخل العينات لتحديد عمرها بدقة. النتائج كانت متقاربة بشكل لافت، حيث تركزت حول 10.7 مليون سنة، مما يمنح مصداقية لتاريخ الارتطام، ويبعد أي التباس مع الحقول الزجاجية الأصغر سناً مثل الترسبات الآسيوية الشهيرة قبل 788 ألف عام.

وهذا الربط الزمني يعزز فكرة أن الأرض تعرضت لعدة حوادث كونية كبرى عبر العصور، لكل منها بصمته الخاصة التي لا يختلط بها غيرها.


لغز الفوهة المفقودة


ورغم وضوح الأدلة الكيميائية، فإن الفوهة الناتجة عن هذا الحدث لم يُعثر عليها بعد. ومع ذلك، تشير التراكيب إلى أن الهدف كان مرتبطاً بما يعرف بـ"الأقواس البركانية" قرب شمال أستراليا، وربما امتد المسار إلى مناطق مثل لوزون أو جزر بسمارك. غياب الفوهة لا يقلل من قوة الحدث، بل يؤكد أن بعض الارتطامات تترك وراءها سجلاً زجاجياً متناثراً دون أثر واضح للحفرة الأصلية.

وهذا ما يجعل البحث الميداني مستمراً، إذ قد تحمل حملات استكشافية جديدة مفاجآت إضافية تعيد تشكيل فهمنا لتاريخ الأرض الجيولوجي.


قراءة في ذاكرة الزجاج


العينات الأسترالية تحمل قصصاً دقيقة عن حرارة الانصهار والخلط بين المادة الصخرية الأرضية وبقايا الكويكب. وجود النيكل والكوبالت والكروم يشير إلى تلوث نيزكي، فيما تدعم نسب النظائر فكرة أن المنطقة المستهدفة كانت بركانية الطابع. حتى الفقاعات الدقيقة والاختلافات الشكلية بين العينات الشرقية والغربية تعكس ظروفاً متباينة خلال رحلتها الجوية عبر الغلاف الجوي.

هذه التفاصيل تجعل من كل شظية أرشيفاً مصغراً لحظة اصطدام، تحفظ المعلومات كما لو كانت كبسولة زمنية من الماضي السحيق.

ذو صلة

خاتمة


اكتشاف هذا الزجاج الكوني النادر في أستراليا يضيف فصلاً جديداً إلى سجل الأحداث الكونية التي واجهت الأرض. هو تذكير بأن كوكبنا، رغم هدوئه النسبي اليوم، ظل عبر ملايين السنين عرضة لاصطدامات كويكبات تركت بصماتها في صورة زجاج متناثر وأسرار علمية تنتظر أن تُفك. وبينما يواصل العلماء بحثهم عن الفوهة المفقودة، يبقى هذا الاكتشاف شاهداً على قوة الفضاء وتأثيره الدائم على حياتنا وكوكبنا.

ذو صلة