ذكاء اصطناعي

ألواح سومرية عمرها 4000 عام تتكلم: كيف أدارت سومر أول دولة بـ”إدارة مكتوبة” في التاريخ؟

ألواح سومرية عمرها 4000 عام تتكلم: كيف أدارت سومر أول دولة بـ"إدارة مكتوبة" في التاريخ؟
مجد الشيخ
مجد الشيخ

4 د

اكتشفت في "غيرسو" 200 لوح طيني يكشف عن الإدارة الأكدية القديمة.

تحتوي الألواح على سجلات إدارية دقيقة تشير إلى نظام بيروقراطي متقدم.

يُظهر الاكتشاف دورًا هامًا للمرأة في الإمبراطورية الأكدية.

عُثر على الألواح في موقعها الأصلي مما يعزز فهمنا للتاريخ.

سيتم ترميم الألواح لعرضها بمتحف بغداد وتحليلها من قبل مختصين.

من عمق الرمال القديمة في جنوب العراق إلى أيدي علماء الآثار والخبراء، خرجت مجموعة مذهلة من أكثر من 200 لوح طيني، تكشف لنا قصصًا مثيرة عن أول إمبراطورية عرفها التاريخ، وعن التفاصيل الدقيقة والمعقدة التي حكمت من خلالها هذه الإمبراطورية مدنها وولاياتها قبل أكثر من أربعة آلاف عام.


كنوز مدفونة في مدينة «غيرسو»

المدينة القديمة المعروفة باسم «غيرسو»، التي تقع اليوم في منطقة تيلو جنوبي العراق، لطالما جذبت اهتمام علماء الآثار من جميع أنحاء العالم، لكنها عادت للواجهة مرة أخرى بعد الكشف الجديد الذي أعلن عنه متحف بريطانيا بالتعاون مع الحكومة العراقية. في هذا الموقع الأثري، عثر الباحثون على مبنى إداري ضخم من اللبن يعود إلى فترة الإمبراطورية الأكدية ما بين عامي 2300 و2150 قبل الميلاد، يحتوي على مئات الألواح الطينية والأسطوانات المنقوشة بأختام مميزة.

فوجود مثل هذه الوثائق في موقعها الأصلي، وبحالة ممتازة من الحفظ بالرغم من مرور آلاف السنين، هو أمر نادر للغاية، وهو ما يثير حماسة الباحثين بشكل كبير.


ماذا تحتوي هذه الألواح؟

ربما يخطر ببالنا، عندما نسمع بمصطلح «ألواح طينية»، أن هذه الوثائق قد تضم ملاحم أو أساطير شهيرة مثل ملحمة جلجامش. لكن المفاجأة هنا هي أن هذه الألواح لا تتعلق بالأدب أو الأساطير، بل هي أقرب إلى سجلات إدارية دقيقة! فقد تضمنت هذه الألواح معلومات تفصيلية حول كل شيء تقريبًا، من خرائط قنوات الري، وأعمال البناء، إلى سجلات تفصيلية للسلع والبضائع مثل الدقيق والأنسجة والماشية.

باختصار، هي أشبه ما يكون بـ«دفاتر حساب» وتصنيفات واضحة ومنظمة، وهو ما يشير بشكل لافت إلى وجود بيروقراطية منظمة ومعقدة لدى الأكديين، وإلى أنهم قد طوروا نظامًا متقدمًا للقياسات المستخدمة في شراء المعادن مثل الذهب والفضة وفي قياس السوائل مثل الجعة.


خطوة أولى نحو فهم إمبراطورية عريقة

يصف «سيباستيان راي» الخبير في آثار بلاد الرافدين وأحد مشرفي «مشروع غيرسو» التابع للمتحف البريطاني، هذه الألواح بأنها "شواهد حقيقية ومادية على كيفية إدارة الإمبراطورية الأكدية سيطرتها على الأماكن التي احتلتها". ويضيف راي بحماسة واضحة:


"ما اكتشفناه بالفعل هو الدليل المادي الأول من نوعه على آلية عمل أول إمبراطورية في التاريخ. إن هذا الكشف سيغير بشكل واضح رؤيتنا لتاريخ إدارة الدول والحكومات قديمًا"


دور المرأة في الإمبراطورية الأكدية

والمثير في هذه الاكتشافات الجديدة أيضًا، هو ما أظهرته من دور واضح وهام للنساء في الإمبراطورية الأكدية. بالرغم من أن المجتمع في تلك الحقبة كان بطبيعة الحال ذكوريًا بشكل كبير، إلا أن أسماء بعض النساء ذوات المكانة العالية، مثل الكاهنات والمسؤولات الإداريات، ظهرت بشكل متكرر في السجلات والألواح، مما يدل على حصول المرأة في المجتمع السومري والأكدي على مكانة هامة، تفوقت على كثير من طفائف النساء في مجتمعات قديمة أخرى.


أهمية اكتشاف الألواح في موقعها الأصلي

يرى «توبين هارتنل»، مدير مركز الآثار والتراث في الجامعة الأمريكية في العراق والمشارك في المشروع، أن أهمية هذا الاكتشاف مضاعفة، لأنه تم العثور على جميع هذه الألواح في موقعها الأصلي، حيث يفتح المجال لفهم حقيقي ودقيق لطبيعة النظام الإداري والبيروقراطي الذي تبنته الإمبراطورية الأكدية في إدارة مدينة سومرية مثل غيرسو، خاصة وأن الكثير من الاكتشافات السابقة جاءت غالبًا من عمليات نهب عشوائية أو بيع في الأسواق السوداء، ما أفقدنا الكثير من السياقات والمعلومات المهمة.


ماذا بعد الكشف؟

ذو صلة

أما حاليًا، فقد بدأت مرحلة تنظيف وترميم هذه الألواح على يد خبيرة الترميم الأمريكية البريطانية «دانا جودبورن براون»، لتكون الخطوة التالية بعد ذلك هي قراءة معانيها وترجمتها وتحليلها من قبل مختصين في اللغة السومرية والأكدية القديمة، ثم سيصار إلى وضعها في المتحف العراقي بالعاصمة بغداد لتتاح دراستها بشكل أوسع من قبل الباحثين والعلماء. مع وجود مقترح أيضًا بعرض بعضٍ منها بشكل مؤقت لدى المتحف البريطاني في المستقبل.

باختصار، يمكن القول إن هذه الألواح القديمة التي ظلت مختبئة آلاف السنين لم تمدنا فقط بمشاهد وصور واضحة حول طرق حكم أقدم إمبراطوريات التاريخ، بل جعلتنا، وبشكلٍ مذهل، أقرب من إنسان قديم، عاش يومياته العملية قبل أكثر من أربعة آلاف عام، تمامًا كما نفعل نحن اليوم.

ذو صلة