ذكاء اصطناعي

أمريكا تستيقظ على غزو دبابير لم يرها أحد من قبل!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف العلماء دبابير طفيلية غازية جديدة في الولايات المتحدة، كانت معروفة في أوروبا فقط.

هذه الدبابير تتغذى على يرقات دبابير أخرى، مهددة التوازن البيئي للغابات.

يشارك الباحثون في دراسة التنوع البيولوجي وتأثير الأنواع الغازية على النظام البيئي.

يشير تنوع الدبابير إلى إمكانية وجود أنواع غير مستكشفة بعد.

تسلط الاكتشافات الضوء على ضرورة رصد التحركات الحيوية ومراقبة التغيير البيئي العالمي.

مع أن هناك الكثير من الطفيليات العجيبة في عالم الحشرات، إلا أن أحدث الاكتشافات كان بمثابة مفاجأة للعلماء: ظهور أنواع غير معروفة سابقاً في الولايات المتحدة من الدبابير الطفيلية الغازية. يبدو الأمر مثيراً للقلق للوهلة الأولى، لكن دعنا نأخذك في جولة داخل عالم الطفيليات والدبابير، حيث تحدث قصص تفوق الخيال.

بدأت الحكاية عندما أجرى باحثون من جامعتي بينغهامتون وآيوا دراسة على دبابير “عثة بلوط” أو ما يُعرف علمياً بـ"دبابير عفص البلوط". هذه الدبابير تقوم بوضع بيضها في أشجار البلوط، وأثناء ذلك تنشأ تكتلات صغيرة تُسمى “عفص” تحيط بالبيضة وتحميها حتى الفقس. والعفص في الحقيقة يشبه ثؤلولاً صغيراً ينبت من الشجرة كنوع من الدفاع العضوي أو الاستجابة لإصابة البيضة. هنا تدخل الدبابير الطُفيلية في المشهد – فهي ليست فقط تطفلية، بل تُسمى “فرط الطفيليات”، أي أنها تتطفل على طفيليات أخرى في دورة معقدة من حياة الحشرات.

ويُسهم هذا في فهم معمق للحيوية البيئية ضمن النظام البيئي للغابات، فالطفيليات تؤثر في توزيع أنواع الحشرات وتوازن النظام، وهو ما دفع الفريق البحثي لجمع عينات من العفص عبر الولايات المتحدة وكندا، تحديداً من الساحل الشرقي إلى الغربي، بغرض دراسة التنوع البيولوجي للدبابير الطفيلية.


اكتشاف أنواع جديدة من الدبابير الغازية

مع تتبعهم للعينات وحضانة الدبابير في المختبرات، حدّد العلماء أكثر من مئة نوع من الدبابير الطفيلية المختلفة. لكن ما لفت انتباههم حقاً كان ظهور نوعين جديدين ينتميان لجنس يُسمى “بوتانوميا dorsalis”، كانا معروفين فقط في أوروبا من قبل. الأغرب أن هذه الأنواع ظهرت في جانبي القارة الأمريكية، أحدها رُصد في نيويورك (شرق البلاد)، والآخر في مواقع متعددة على الساحل الغربي. هذه الدبابير الشرسة تستهدف يرقات دبابير أخرى داخل العفص، حيث تضع بيضها على بيض أو يرقات النوع الأول، فتأكله من الداخل قبل أن تخرج للعالم الخارجي.

يشير الباحثون إلى أن البيانات الوراثية تشير لوجود مجموعتين متميزتين من هذه الدبابير في أوروبا، ما يلمح لإمكانية اعتبارهما نوعين منفصلين بالفعل. وجودهما في قارتين كان بمثابة إنذار للمتخصصين في الأحياء والغابات حول وتيرة انتقال الأنواع الغازية عبر البحار. وهذا يُبين كيف يمكن لتحركات الإنسان أو استيراد النباتات الغريبة مثل أشجار البلوط غير المحلية أو حتى انتقال الحشرات بالصدفة عبر الطائرات أن يؤدي إلى دخول أنواع جديدة قد تؤثر على التوازن الطبيعي للنظم البيئية المحلية.

تطور المشهد وطرح العلماء تساؤلات حول مدى الخطر الذي يشكله هذا الغزو البيولوجي الجديد، خاصة على تجمعات دبابير عفص البلوط المحلية، وكذلك مدى تأثر بقية الطفيليات التي تعيش في بيئة العفص. فبحسب الدراسة المنشورة في مجلة بحوث غشائيات الأجنحة، رُصد أن هذه الدبابير الغازية قادرة بالفعل على استهداف عدة أنواع مُضيفة من الدبابير، ما يجعل التهديد محتملاً على نطاق واسع.

وانطلاقاً من هذه النتائج، يزداد قلق العلماء من احتمال حدوث تغيرات ملموسة في توازن النظام البيئي للغابات. بعض أنواع الدبابير قد تختفي أو تتراجع أعدادها، وربما يدفع ذلك إلى اختلال السلاسل الغذائية الدقيقة التي تحكم حياة الحشرات في البراري الأمريكية.

ذو صلة

ويؤكد قادة البحث مثل الدكتورة كيرستن برايور على أن هذه الاكتشافات ما هي إلا بداية الطريق، فهناك عالم خفي من الطفيليات لم يُستكشف بعد بشكل كافٍ. ومع قلة المختبرات القادرة على تعقب توزيع أنواع الدبابير الطفيلية حول العالم، فمن المتوقع أن تظهر المزيد من المفاجآت خلال السنوات القادمة، وربما نكتشف أنواعاً جديدة لم تُعرف من قبل.

في نهاية المطاف، تضعنا هذه الوقائع أمام أهمية الاطلاع الدائم على المستجدات العلمية ومراقبة التداخل البيولوجي بين البيئات المختلفة. انتقال الأنواع الغازية لم يعد محصوراً بخطأ عابر أو صدفة عابرة؛ بل أصبح جزءاً من تحديات العصر الحديث التي تتطلب رفع درجة الاستعداد لدى علماء البيئة وجهات الرقابة على الغابات والتنوع البيئي. فربما يحمل لنا المستقبل المزيد من الأخبار المفاجئة حول الكائنات الدقيقة التي تشكل تروس النظام البيئي على مستوى لا نراه بالعين المجردة، لكنها تؤثر بعمق في حياتنا جميعاً.

ذو صلة