إبهام طويل وأطراف عريضة: تشريح يد قديمة يدعم قدرة “بوَازي” على النحت والقطع

3 د
أعلنت لويز ليكي عن اكتشاف يد متحجرة لـ Paranthropus boisei يعود لمليون ونصف العام.
تم العثور على الحفريات في بحيرة توركانا، مما يؤكد هوية "رجل كسارة المكسرات".
يد هذا النوع كانت قوية لكنها أقل مرونة من يد الإنسان المعاصر، مثيرة نقاشًا حول استخدامها الأدوات.
التحليل يشير لقدرة الجنس على القبض بإحكام، لكن الجدال مستمر حول استخدامها في التسلق أو صنع الأدوات.
تواصل عائلة ليكي إرثها في البحث عن أصول الإنسان عبر الاكتشافات والتعاون العلمي.
في صحراء شرق إفريقيا، وبين الرمال التي حفظت أسرار ملايين السنين، أعادت الباحثة لويز ليكي كتابة فصل جديد في حكاية عائلتها العلمية الممتدة. فبعد أكثر من ستة عقود على اكتشاف جدتها ماري ليكي لجمجمة “رجل كسارة المكسرات”، أعلنت لويز عن العثور على يد متحجرة تعود إلى نوع Paranthropus boisei عاش قبل نحو مليون ونصف المليون عام، ما أعاد إشعال الجدل حول هوية أول صانع للأدوات الحجرية في تاريخ البشرية.
هذا الاكتشاف، المنشور في مجلة Nature، لم يكن مجرد إضافة أحفورية؛ بل مفتاح لفهم قدرة هذا النوع على استخدام الأدوات وتشغيلها، وهو سؤال حيّر علماء التطور لأجيال.
جذور الاكتشاف: من الوادي القديم إلى ضفة بحيرة توركانا
القصة بدأت في عام 1959 عندما اكتشفت ماري ليكي جمجمة أطلقت عليها الصحافة لقب “رجل كسارة المكسرات” بسبب فكيه الضخمين وأسنانه العريضة. آنذاك، اعتقد زوجها لويس ليكي أن هذا الكائن هو أول من صنع الأدوات الحجرية، لكنه لاحقاً تراجع عن فكرته عندما عُثر على نوع آخر يُعرف بـ الإنسان الماهر (Homo habilis)، الذي بدا أكثر تأهيلاً لصناعة الأدوات لما يتمتع به من دماغ أكبر وأيدٍ أكثر تطوراً.
وهذا يربط بين رحلة عائلة ليكي الممتدة ورغبتهم الدائمة في تتبع جذور الإبداع البشري من خلال الأحافير، وصولاً إلى هذا الاكتشاف الجديد الذي جاء على يد الحفيدة.
يد تكشف أسرار “رجل كسارة المكسرات”
وجد فريق لويز الحفريات في منطقة بحيرة توركانا شمال كينيا بين عامي 2019 و2021، حيث وُجدت اليد إلى جانب أجزاء من الجمجمة والأسنان والعظام، ما أكد أن اليد تعود إلى Paranthropus boisei دون شك. تقول لويز إن والدها الراحل ريتشارد ليكي، الذي تابع المشروع قبل وفاته عام 2022، كان متحمساً بشدة، إذ رأى في اليد دليلاً قاطعاً على قدرة النوع على الإمساك بالأدوات.
تُشير التحاليل التشريحية إلى أن اليد كانت قوية ذات إبهام طويل وأطراف عريضة تساعد على القبض بإحكام، لكنها أقل مرونة من يد الإنسان الحديث. هذا المزيج من القوة والمهارة يوحي بأن P. boisei ربما امتلك القدرة – إن لم يكن الفعل – لصنع الأدوات.
جدل بين العلماء: صانع أدوات أم متسلق ماهر؟
لكن الاكتشاف لم يحسم النقاش تماماً. فبينما يرى فريق ليكي أن البنية العضلية لليد – وخاصة عضلات الكف القوية – تشير إلى استعداد لصنع الأدوات، يعتقد باحثون آخرون، مثل عالمة الأنثروبولوجيا **تريسي كيفيل** من معهد ماكس بلانك، أن اليد ربما صُممت للتسلق لا للقطع والنقش. وتضيف أن العظام القوية في الأصابع قد لا تكون دليلاً على نحت الحجر، بل على التشبث بالأشجار.
وهذا يقود إلى محور آخر في البحث، فالفريق الكيني يرى أن *P. boisei* لم يكن يعيش في بيئة غنية بالأشجار، مما يجعل فرضية التسلق أقل احتمالاً. كما تُظهر عظام القدمين المكتشفة أن هذا الكائن سار منتصب القامة مثل البشر أكثر مما كان يتسلق.
إرث عائلة ليكي يستمر
بإخلاص للمنهج الذي ميّز أسرة ليكي منذ الثلاثينيات، تشدد لويز على أن الاكتشاف لم يكن عملاً فردياً بل ثمرة تعاون مع علماء محليين ودوليين، خاصة من معهد حوض توركانا الذي أسسه والدها لتطوير البحث في أصول الإنسان. وتقول لويز بابتسامة:
“أتمنى لو كان جدي لويس هنا ليرى هذه اليد. كان سيُسعده أن يعرف أن Paranthropus كان أقرب إلى الإنسان الصانع مما ظن”.
وهكذا يربط الاكتشاف بين الماضي والحاضر، مؤكداً أن رحلة البحث عن أصولنا لا تزال في بدايتها. فكل عظمة تُستخرج من الأرض قد تغيّر قصة الإنسان كما نعرفها اليوم.









