الانتقال ما بعد الإنسانية: ما الذي قد يحدث للعالم حين تصل الآلة إلى ذكاء يفوق الذكاء البشري؟

3 د
اجتمع خبراء الذكاء الاصطناعي في سان فرانسيسكو لمناقشة "الانتقال ما بعد الإنسانية".
تمحورت النقاشات حول مخاطر تطوير ذكاء اصطناعي عام AGI بدون رقابة صارمة.
توقعات متباينة حول تحقيق الذكاء الاصطناعي العام وسط تحديات تقنية وفلسفية.
تعزيز القيم الإنسانية في تطوير الذكاء الاصطناعي كان محورًا للنقاش.
هدف اللقاء هو التحذير من تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي العام بدون توجيه ملائم.
ما الذي سيحدث للعالم حين تصل الآلة إلى ذكاء يفوق الذكاء البشري؟ سؤال ملح التقى لمناقشته أبرز الخبراء ومطورو الذكاء الاصطناعي في اجتماع فريد من نوعه احتضنته مدينة سان فرانسيسكو مؤخراً، وسط جو أقرب إلى أفلام الخيال العلمي.
هذا اللقاء، الذي نظم في قصر فاخر بقيمة 30 مليون دولار، جاء بمبادرة من رائد الأعمال في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي دانييل فاجيلا، الذي دعا أبرز علماء التكنولوجيا ومؤسسي كبرى شركات الذكاء الاصطناعي - شركات تبدأ قيمتها السوقية من 100 مليون وتصل إلى 5 مليارات دولار - بالإضافة إلى مفكّرين فلاسفة متخصصين في مستقبل التقنية وتأثيرها في مصير البشرية.
كان محور اللقاء الرئيسي هو مناقشة مفهوم "الانتقال ما بعد الإنسانية" أو "Posthuman Transition"، الذي يعني تصوّراً مستقبلياً تسلم فيه البشرية زمام الأمور - وربما وجودها ذاته - لكيانات فائقة الذكاء تفوق قدرات الإنسان. ولربما تبدو هذه الفكرة أقرب للخيال منها للواقع الآن، لكن خبراء كثر يرونها أمراً قريباً وحقيقياً، لا مجرد تخيّل بعيد المنال.
وهذا الربط بين طموحات التقنية الحالية والتغيرات الجوهرية المحتملة دفع المشاركين إلى التعبير عن دوافعهم لتنظيم مثل هذه اللقاءات. فمن وجهة نظر فاجيلا نفسه، كبرى المختبرات والشركات التي تطور الذكاء الاصطناعي تدرك أن تطوير ذكاء اصطناعي عام (AGI) قد يحمل مخاطر حقيقية على مستقبل البشرية، لكنها لا تصرّح بذلك علانية بسبب التعارض مع مصالح المستثمرين والإيرادات.
لكن السؤال المهم هنا هو: ما الذي يعنيه فعلاً مفهوم الذكاء الاصطناعي العام AGI؟ في الواقع، هو ذكاء آلي يمتلك قدرات عقلية شبيهة أو تفوق ذكاء الإنسان، وسيكون بامكان هذا النوع من الذكاء الاصطناعي اتخاذ القرارات وحل المشاكل بشكل مستقل تماماً. ورغم أن شركات مثل "أوبن أي آي" (OpenAI) تعلن باستمرار أن الوصول إلى AGI ضمن أولوياتها العليا، إلا أن جدلاً واسعاً حول مدى وضوح هذا المصطلح يتصاعد بين المختصين.
وبالفعل، تحدث مشاركون عن مخاطر عديدة متصلة بالوصول إلى مثل هذه المرحلة، مشيرين إلى احتمال تعزيز الفجوة الاجتماعية وتعميق عدم المساواة، بل وحتى إقامة نظام رقابي شامل على المجتمعات. أمثال إيلون ماسك وسام ألتمان حذّرا مراراً من أن تطوير الذكاء الاصطناعي العام AGI بدون رقابة وإشراف صارم قد يكون أخطر تحديات عصرنا، وقد يؤدي إلى تغيرات جذرية في شكل الحياة التي نعرفها الآن.
لكن تساؤلات كثيرة حول واقعية هذه التنبؤات تجد مكانها في النقاش أيضاً. تشير بعض الأبحاث الحديثة - مثل ورقة بحثية نشرتها مؤخراً شركة أبل – إلى أن أكبر نماذج الذكاء الاصطناعي الموجودة حالياً مازالت تعاني من مشاكل واضحة تمنعها من تحقيق الحد الأدنى المطلوب من قدرات التفكير المنطقي في المهام المعقدة، وهو ما يفرض تساؤلات مشروعة حول السرعة التي يُروج لها في الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام AGI.
على الرغم من كل هذا، نجد الكثير من الأصوات الحاضرة في النقاش تؤكد أنها لا ترى الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام مجرد مسألة افتراضية، بل مسألة محتومة. وتم نقاش انعكاسات تعزيز القيم الإنسانية الشاملة مثل الخير والعدل في الذكاء الاصطناعي مستقبلاً. وقد عمد المشاركون لاستحضار أفكار مفكرين كفريدريك نيتشه وباروخ سبينوزا، مشددين على ضرورة توجيه الآلة نحو بحث عميق عن القيم العالمية والإنسانية، وإلا نخاطر بخلق كيان يفوق قدرات الإنسان لا يحمل أية مشاعر أو تعاطف.
ورغم ذلك، أكّد منظم اللقاء أن الهدف الأساسي من هذه الحوارات هو التحذير والسعي للتأني في تطوير الذكاء الاصطناعي العام، والتأكد من تقدم البشرية نحو الاتجاه السليم؛ لأننا ببساطة "نقود سيارة بسرعة كبيرة عبر الضباب الكثيف"، على حد وصف بعض المشاركين.
وكما نرى، فإن هذه المناقشات رفيعة المستوى ترسم صورة معقدة ومازالت غير مكتملة لواقع قد يكون قريباً أو بعيدًا، لكن المؤكد أن مناقشتها بجدية على نطاق واسع بات أمراً ضرورياً. وحتى تزداد هذه الحوارات وضوحاً وقرباً من واقع الناس اليومي، فربما يكون من المفيد تبسيط المصطلحات التقنية بشكل أفضل أحياناً، وربطها بالجانب الإنساني والقيمي الذي يمس كل منا مباشرة، كي لا يظل نقاشاً مقصوراً على علماء التقنية وحدهم.