الصين تكشف سرًا مدفونًا منذ مئات آلاف السنين عن نشأة الإنسان

3 د
أعاد فريق صيني بناء جمجمة متحجرة عمرها مليون عام تُعرف باسم "يونشيان 2".
تكشف الجمجمة عن مزيج من السمات الغريبة، ما يعقد فهم تطورنا البشري.
تشير الدراسة إلى أن الجمجمة أقرب لنوع "هومو لونغي" من النياندرتال.
طرح الاكتشاف تساؤلات حول الدينسوفان، مما يعقد الصورة الوراثية والأنساب القديمة.
تشير النتائج إلى أن تطور البشر لم يكن خطيًا بل شبكة متداخلة من الأنواع.
في اكتشاف قد يغيّر نظرتنا إلى تاريخ البشرية، أعاد فريق من الباحثين في الصين بناء جمجمة متحجرة تُعرف باسم **يونشيان 2**، تعود إلى ما يقارب المليون عام. هذه الجمجمة لم تكن مجرد قطعة أثرية جديدة، بل فتحت باباً واسعاً لإعادة التفكير في شجرة التطور البشري وما كنا نعتقده راسخاً حول أصولنا.
منذ العثور على الجمجمة لأول مرة عام 1990، شكّلت لغزاً للعلماء. فقد جاءت بملامح غير مألوفة: ليست مطابقة لأسلافنا من النياندرتال، ولا تشبه تماماً الإنسان العاقل المبكر. لكن إعادة البناء الرقمي التي أُنجزت مؤخراً سمحت بتصحيح التشوهات التي لحقت بالعظام على مدى قرون، وكشفت مزيجاً من السمات الغريبة والجذابة في آن واحد.
وهذا يعيدنا مباشرة إلى التساؤل الأهم: إلى أي سلالة تنتمي هذه الجمجمة وكيف ترتبط بوجودنا الحالي؟
دلالات علمية جديدة
الدراسة، التي قادها فريق من جامعة شانشي ونُشرت في مجلة *ساينس*، أشارت إلى أن الجمجمة أقرب في خصائصها إلى نوع يُعرف باسم **هومو لونغي**، وهو إنسان منقرض اكتُشفت بقاياه في مدينة هاربين بالصين منذ أعوام قليلة. هذا الربط المفاجئ يضع يونشيان 2 داخل فرع تطوري لم ينل حظه من الاهتمام سابقاً.
ومن هنا يبرز التغيير في الرواية العلمية: فقد كان الاعتقاد السائد أن الإنسان العاقل أقرب إلى النياندرتال من أي نوع آخر، لكن الجمجمة الصينية تقترح أن الروابط الأقوى ربما كانت مع **هومو لونغي** وأسلافه.
وهذا يقود إلى فكرة مثيرة: خط تطورنا ربما انشق عن خط لونغي قبل أكثر من 1.3 مليون سنة، في وقت أبكر مما ظنّه الباحثون.
خيوط متشابكة: النياندرتال والدينسوفان
اللافت أيضاً أن هذا الاكتشاف يثير أسئلة جديدة حول **الدينسوفان**، أولئك الأقرباء الغامضين للبشر الذين عُرفوا أساساً من خلال الحمض النووي. بعض المؤشرات في الجمجمة الصينية توحي بأن الدينسوفان قد يكونون فرعاً من شجرة **هومو لونغي**، ما يضعهم أقرب إلينا من النياندرتال في الترابط الوراثي.
وبذلك، يصبح مشهد التطور البشري أكثر تعقيداً، إذ لم يكن خطاً مستقيماً بل شبكة متداخلة من الأنساب والشعوب القديمة.
هذا يفتح الباب لمراجعة شاملة للتسلسل التطوري، ويفرض إعادة كتابة فصول كاملة حول كيفية تفاعل هذه الأنواع مع البشر الأوائل.
أهمية الاكتشاف
بالنسبة للعلماء، يُعد يونشيان 2 نافذة نادرة على فترة غامضة من تاريخ الإنسان. فهو لا يقدم مجرد قياسات أو سمات تشريحية، بل يعيد تعريف العلاقات بين أنواع مختلفة كنا نظنها بعيدة. إن تعقيد الصورة الجديد يوضح أن وجودنا لم يكن نتيجة خط تطوري واحد وواضح، بل ثمرة سلسلة متشابكة من اللقاءات، الانقسامات، وربما حتى التزاوج بين أسلاف متعددين.
وفي ضوء هذه النتائج، يبدو أننا أمام بداية مرحلة بحثية جديدة، حيث سيتحتم على علماء الأنثروبولوجيا استخدام أدوات أكثر تقدماً لفك ألغاز تلك السلالات القديمة.
وبكلمات أخرى، فإن جمجمة يونشيان 2 لا تقدم لنا إجابة نهائية، بل تطرح أسئلة أعمق قد يستغرق حلها عقوداً.
خاتمة
ما بين النياندرتال والدينسوفان وهومو لونغي، تقف الجمجمة الصينية شاهداً على تعددية فروعنا القديمة. فهي تذكّرنا أن رحلة الإنسان لم تكن خطية ولا بسيطة، بل أشبه بمتاهة متشابكة من الطرق. ما نعرفه اليوم قد يتغير غداً مع كل اكتشاف جديد، لكن المؤكد أن يونشيان 2 ستبقى مرجعاً أساسياً في فهم أصلنا المشترك، وتعيد لنا شعور الدهشة أمام تعقيد الحكاية الإنسانية.