الفحم… من رمز التلوث إلى المعجزة التي تهدد شركات تنقية المياه

3 د
يكتشف الباحثون في جامعة داليان قدرة الفحم الحيوي على تفكيك الملوثات تلقائيًا.
يتميز الفحم الحيوي بنقل الإلكترونات، مما يجعله فاعلًا نشطًا في تنقية المياه.
الفحم الحيوي يحتفظ بخصائصه المستدامة حتى بعد الاستخدام المتكرر.
النتائج الجديدة توفر أملاً في حلول اقتصادية وبيئية لمعالجة التلوث الصناعي.
لطالما عرفنا أن الفحم الحيوي – أو ما يُعرف بالـ Biochar – يعمل كسفنج طبيعي يمتص الملوثات من المياه، أو كمساعد محفِّز في عمليات الأكسدة باستخدام مواد مثل بيروكسيد الهيدروجين. لكن المفاجأة التي قد تغيّر قواعد اللعبة جاءت من فريق بحثي في جامعة داليان للتكنولوجيا، حيث اكتشف العلماء أن هذا الفحم قادر على تحطيم الملوثات بنفسه من دون أي إضافات كيميائية داعمة.
وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه أمام تصور جديد لكيفية التعامل مع مياه الصرف الصناعي ومشكلات التلوث البيئي.
القوة الخفية للإلكترونات
يكمن سر هذا الاكتشاف في القدرة الطبيعية للفحم الحيوي على نقل الإلكترونات. الصورة أقرب إلى مشهد بطولي: بدلاً من أن يمسك الفحم بالملوثات فقط، بات الآن قادراً على تفكيكها من الداخل عبر ما يُعرف بـ “النقل المباشر للإلكترونات”. التجارب المخبرية أثبتت أن هذا المسار وحده مسؤول عن حوالي 40% من إجمالي عملية تنقية المياه، أي ما يقارب نصف القدرة الكامنة للفحم من تلقاء نفسه.
وهذا يربط بين النظرة التقليدية له كـ “مرشح سلبي” وبين الصورة الجديدة له كفاعل نشط قادر على تحطيم السموم البيئية.
لماذا يختلف فحم عن آخر؟
أوضح الباحثون أن قوة الفحم الحيوي لا تتساوى في كل حالاته. فهناك ثلاثة عوامل رئيسية تحدد مدى فعاليته: تركيبته الكربونية الدقيقة، مساحة سطحه النانوي، وطبيعته الكيميائية الكهربائية التي تزيد من كفاءة تبادل الإلكترونات. والأهم من ذلك أنّ هذه الخصائص تبقى ثابتة حتى بعد استخدامه عدة مرات، مما يمنحه صفة الاستدامة ويجعله مرشحاً مثالياً لحلول معالجة المياه طويلة الأمد.
وبهذه الاستدامة يتحول إلى أداة اقتصادية وبيئية في وقت واحد، وهو ما يعزز مكانته كوسيلة حقيقية للحد من التلوث الصناعي.
انعطافة في هندسة البيئة
الاكتشاف الجديد يغير طريقة تفكيرنا في دور الفحم الحيوي داخل أنظمة المعالجة. لم يعد مجرد قطعة كربونية تمتص الملوثات أو مؤازر لمركبات مؤكسِدة، بل أصبح أداة مستقلة قادرة على تفكيك الملوثات العضوية من جذورها. هذا بدوره يمهّد الطريق لتصميم مواد أكثر ذكاءً وفعالية، خاصة إذا تم التمييز بوضوح بين ثلاثة أنماط: الامتزاز، التحلّل المباشر، والتحلّل غير المباشر بالمحفزات.
ومن هنا نرى كيف يتحوّل الاكتشاف من مجرد بيانات مخبرية إلى استراتيجية تطبيقية لمواجهة أزمة المياه حول العالم.
خاتمة
يبدو أنّ الفحم الحيوي لم يُقدَّر حق قدره حتى اليوم. فهو ليس مجرد “فحم بيئي” بل أقرب إلى بطارية صغيرة تنبض بالطاقة الكيميائية، وموصل للإلكترونات، ووسيلة قوية للتخلص من السموم. هذا التحوّل في الفهم يمنحنا بارقة أمل في ابتكار طرق أسهل وأرخص وأطول عمراً لمعالجة المياه الملوثة، مما يمهّد لمستقبل أكثر نقاءً واستدامة.
باختصار، عندما تسمع كلمة “Biochar” في المرة المقبلة، تخيله مقاتلاً صامتاً يشتبك مع الملوثات إلكتروناً بإلكترون، ليترك خلفه ماءً أنقى وبيئة أكثر توازناً.