جاذبية الأرض تنهار؟ شذوذ هائل يكشف كارثة تحت السطح

3 د
رصد الأقمار الصناعية في 2007 تغيرات كبيرة في الجاذبية فوق المحيط الأطلسي.
قد تفسر التحولات المعدنية تحت الأرض تغييرات الجاذبية والمجال المغناطيسي المفاجئة.
اكتشفت الأقمار الصناعية "GRACE" التغيرات الجاذبية المرتبطة بتحولات باطن الأرض.
فتح الاكتشاف أفقًا جديدًا لفهم ديناميكيات باطن الأرض وتأثيرها على الجاذبية.
في عام 2007 رصد العلماء ظاهرة غير مألوفة فوق المحيط الأطلسي الشرقي؛ إذ أظهرت بيانات الأقمار الصناعية أن مجال الجاذبية الأرضية شهد اضطراباً هائلاً على نطاق قاري، ثم عاد تدريجياً إلى وضعه الطبيعي. المفاجأة أن ذلك الانحراف كان غير مرئي ومجهول بالنسبة لمن يعيشون على سطح الأرض، لكنه تَجلّى بوضوح في سجلات بعثة فضائية متخصصة.
وهذا يمهّد لفهم ما توصلت إليه التحليلات اللاحقة بأن السبب يعود إلى تحولات مادية داخل باطن الكوكب نفسه.
أقمار GRACE… عين الإنسان في السماء
المعلومة الصادمة جاءت من مهمة فضائية مشتركة بين ناسا والوكالة الألمانية للفضاء تُعرف باسم GRACE، وهي زوج من الأقمار التي دارَت حول الأرض بين 2002 و2017. هذه الأقمار صُممت لرصد أي تغيّرات طفيفة في مجال الجاذبية، إذ يمكنها قياس المسافة بين بعضها بدقة متناهية، ما يسمح بالكشف عن أدق حركة كتلة، سواء كانت ذوبان جليد، تغيّر مستويات المياه الجوفية أو ارتفاع منسوب البحار.
ومن خلال هذا الرصد المتقدم، اكتشف الباحثون نمطاً غريباً عام 2007 يُظهر زيادة في قوة الجاذبية على امتداد شريط واسع يقابله ضعف في نطاق مجاور، امتد لمسافة تُقدَّر بسبعة آلاف كيلومتر، وهذا ما أوحى بإعادة توزيع ضخمة للكتل تحت سطح الأرض.
ارتباط غريب مع المجال المغناطيسي
الأكثر إثارة أن هذا التشوّه في الجاذبية تزامن مع ما يُعرف بـ“القفزة المغناطيسية” أو *Geomagnetic jerk*، وهو تغير مفاجئ سُجّل في المجال المغناطيسي في المنطقة نفسها. عادةً ما تُعزى هذه الظواهر إلى نشاط في أعماق الكوكب بالقرب من النواة السائلة. هذا التوافق الزمني دفع العلماء إلى الاعتقاد بأن ما جرى لم يكن سطحياً على الإطلاق.
وبذلك فتح الاكتشاف الباب لوضع فرضيات جديدة تتعلق بنشاط طبقة الوشاح العميقة التي تفصل القشرة عن النواة.
التحولات المعدنية في عمق الوشاح
وعندما استبعد الباحثون العوامل السطحية مثل تحركات المياه أو ذوبان الجليد، ركّزوا على ما يحدث في أعماق تصل إلى ثلاثة آلاف كيلومتر. هناك يهيمن معدن يُسمى “بريدجمانيت” الذي يمكن أن يخضع لتحول في بنيته البلورية من طور *بروفيسكايت* إلى طور *بوست-بروفيسكايت* إذا تعرض لضغط وحرارة هائلين قرب الحد الفاصل بين النواة والوشاح.
هذا التحول البنيوي يؤدي لتغير ملحوظ في الكثافة، ما يعني إعادة ترتيب سريع للكتل في الداخل، وهو ما قد يفسّر شذوذ الجاذبية وارتباك المجال المغناطيسي في الوقت ذاته.
تداعيات الدراسة على فهمنا لباطن الأرض
اللافت أن الموقع الذي شهد الاضطراب عام 2007 يتقاطع مع مناطق سبق أن كشفت البيانات الزلزالية عن وجود “كتل غامضة” فيها مختلفة في تركيبها عن محيطها. هذا يشير إلى أن ظاهرة التحولات المعدنية مرتبطة بتلك التراكيب الغامضة وربما تفسر وجودها.
ومن هنا يواصل العلماء بحثهم لفهم مدى تكرار هذه التحولات ومدى تأثيرها على ديناميكيات باطن الأرض وحركة الصفائح التكتونية والمجال المغناطيسي العالمي.
خاتمة
الاكتشاف يفتح آفاقاً جديدة في علوم الأرض ويدفعنا للتفكير في أن كوكبنا أكثر ديناميكية وتعقيداً مما نتخيل. قد تكون هذه التغيرات غير محسوسة لنا في حياتنا اليومية، لكنها تذكير بأن أعماق الأرض تعج بالحركة والانتقال، في لوحة خفية ترسم ملامح المستقبل الجيولوجي والمناخي لكوكبنا.