ذكاء اصطناعي

جزيرة منسية تعود بعد 40 مليون سنة… والبرازيل تتسابق لامتلاك كنوزها المعدنية

محمد كمال
محمد كمال

3 د

جزيرة "ريو غراندي" الغارقة تعود للأضواء بعد كشف علمي مثير للجدل الجيوسياسي.

الدراسة البرازيلية تحدد معادن نادرة تدعم الطاقة الخضراء، وتشعل سباقاً دولياً.

قرارات دولية مرتقبة بشأن استخراج الموارد، مع تحديات بيئية وقوانين صارمة تحكم البحار.

التوازن بين حاجة العالم للمعادن وحماية البيئة البحرية يظل معضلة كبيرة.

تخيّل أن تخفي جزيرة كاملة تحت أمواج الأطلسي لعشرات الملايين من السنين، ثم تعود فجأة لتشعل جدلًا علميًا وسياسيًا في آن واحد. هذا ما يحدث اليوم مع ما يُعرف بـ “نهوض ريو غراندي” قبالة سواحل البرازيل، حيث كشفت دراسة حديثة أن جزءًا من هذه الهضبة البركانية المغمورة كان يومًا ما جزيرة استوائية عامرة فوق سطح البحر.

وهنا تبدأ القصة بالتحول من اكتشاف جيولوجي مثير إلى ملف جيوسياسي واقتصادي معقد يحمل تداعيات على مستقبل الطاقة الخضراء في العالم.


أدلة علمية تكشف سر الجزيرة المفقودة


الدراسة التي أنجزها فريق من جامعة ساو باولو بالتعاون مع المركز الوطني البريطاني لعلوم المحيطات، أوضحت أن عينات من طين أحمر غني بمعدني الكاولينيت والهيماتيت عُثر عليها بين طبقات البازلت القديمة، وهي معادن لا يمكن أن تتشكل إلا في بيئة قارية تحت تأثير أمطار غزيرة ومناخ حار. هذه النتائج تتوافق مع حقبة الإيوسين قبل أكثر من 40 مليون عام، عندما كان المناخ العالمي أكثر دفئًا ورطوبة مما هو عليه اليوم.

وهذا يعزز فكرة أن المنطقة لم تكن مجرد مرتفع بركاني غارق، بل مساحة أرضية تعرضت لعوامل التجوية الجوية ثم انزلقت تدريجيًا تحت سطح البحر.

وانطلاقًا من هذا الاكتشاف، بدأ النقاش يتجاوز حدود الجيولوجيا ليصل إلى أروقة السياسة والاقتصاد.


سباق على الموارد المعدنية


الحكومة البرازيلية تحركت بسرعة، وقدمت طلبًا رسميًا إلى الأمم المتحدة لتوسيع جرفها القاري ليشمل منطقة ريو غراندي. الهدف واضح: تأمين حقوق سيادية في استكشاف واستخراج المعادن النادرة المدفونة في أعماق قاع المحيط. وتشير تقديرات أولية إلى وجود كميات واعدة من الليثيوم والنيكل والكوبالت والتيلوريوم، وهي العناصر التي يعتمد عليها العالم لتصنيع البطاريات والسيارات الكهربائية والألواح الشمسية.

وهذا يربط مباشرة بين ماضي الجزيرة الجيولوجي ومستقبل سباق الطاقة المتجددة.


تحديات بيئية أمام التعدين البحري


لكن هذه الطموحات تصطدم بواقع بيئي حساس. فالمناطق المحيطة بالهضبة تحتضن نظمًا إيكولوجية هشة، بما في ذلك شعاب مرجانية وكائنات دقيقة لم تدرس بعد بشكل كافٍ. القوانين الدولية التي تديرها هيئة قاع البحار تفرض تقييمات بيئية صارمة قبل منح أي تراخيص للتعدين. ومع ذلك، يظل القلق قائمًا حول إمكانية تعرض هذه النظم التي عاشت في عزلة ملايين السنين للتدمير إذا دخلت آلات الحفر والكسح.

ومن هنا يبرز التحدي الأكبر: كيف نوازن بين الحاجة العالمية لمصادر جديدة من المعادن، ورغبة المجتمع العلمي في حماية التنوع البيولوجي للمحيطات؟


أبعاد جيوسياسية أبعد من البرازيل


ما يحدث في جنوب الأطلسي لا يقتصر على حدود البرازيل وحدها. فالنقاش يلامس قضايا السيادة البحرية وحوكمة الموارد المشتركة والتنافس المتصاعد على معادن استراتيجية تعتبر اليوم حجر الأساس للتحول الطاقي العالمي. ولأن الأسعار المرتفعة للمواد الخام تدفع الدول الكبرى نحو بدائل خارج اليابسة، فإن كل اكتشاف جديد في أعماق المحيط قد يتحول إلى ساحة مناورات دولية مكثفة.

وهذا يوضح أن الجزيرة الغارقة لم تُبعث فقط في أبحاث العلماء، بل أحيَت أيضًا تنافسًا عالميًا على ثروات المستقبل.


خاتمة


إن قصة ريو غراندي تخلط بين الأساطير والواقع: جزيرة مفقودة منذ العصر الإيوسيني تعود إلى الأضواء، لا من خلال أمواج البحر، بل عبر معارك العلم والسياسة والاقتصاد. هذه الرقعة الغارقة تذكرنا بأن المحيطات تخبئ تاريخًا جيولوجيًا مذهلًا، لكنها في الوقت نفسه تطرح علينا سؤالًا جوهريًا حول حاضرنا ومستقبلنا: كيف نضمن أن البحث عن الطاقة النظيفة لا يتحول إلى تهديد جديد للطبيعة التي نحاول حمايتها؟

ذو صلة

ذو صلة