حلم استغرق 20 عامًا… كيميائيون ينجحون في زراعة الماس بشعاع إلكتروني

3 د
حقق علماء من جامعة طوكيو إنجازاً في زراعة الألماس باستخدام حزمة إلكترونية.
اعتمد الفريق على جزيء الأدامنتان لتشكيل بلورات ألماسية تحت إشعاع إلكتروني مضبوط.
تمكنت الدراسة من تخطي التحديات المرتبطة بتفكيك المركبات العضوية بالإشعاع التقليدي.
يفتح هذا الاكتشاف أبواباً جديدة لتقنيات النانو والإلكترونيات الكمومية المتطورة.
لطالما حلم العلماء بابتكار طرق جديدة لإنتاج الألماس الصناعي بعيداً عن الظروف الجيولوجية القاسية، لكن فريقاً من جامعة طوكيو قلب المفاهيم التقليدية باكتشاف مذهل. باستخدام حزمة من الإلكترونات على جزيء كربوني صغير يعرف باسم “الأدامنتان”، تمكن الباحثون من توليد بلورات ألماسية حقيقية، وفي الوقت نفسه تفادي الأضرار المعتادة التي يسببها هذا النوع من الإشعاع للمركبات العضوية. هذا الإنجاز لا يفتح باباً لصناعة الجواهر فحسب، بل يضع أساساً لمستقبل أكثر تطوراً في تقنيات التصوير والتحليل الميكروسكوبي.
وهذا يربط بين شغف الكيميائيين بالبحث عن بدائل للتقنيات التقليدية وبين أفق جديد في العلم يتيح استخدام الإلكترونات كأداة بناء بدلاً من كونها أداة هدم.
كيف صُنع الألماس من جزيء صغير؟
الطرق التقليدية لتصنيع الألماس غالباً ما تتطلب ضغوطاً هائلة تفوق عشرات الجيجاباسكال ودرجات حرارة تصل إلى آلاف الكلفن. كما أن هناك طريقة الترسيب الكيميائي بالبخار، لكنها تتم في ظروف يكون فيها الألماس غير مستقر نسبياً. الباحث إييتشي ناكامورا من قسم الكيمياء بجامعة طوكيو قرر اتباع خط معاكس تماماً: ضغط منخفض، وحرارة منخفضة، مع الاعتماد على إشعاع إلكتروني مضبوط بعناية. ركّز الفريق على الأدامنتان، وهو جزيء كربوني له شكل يشبه القفص، ويتميز ببنية تشبه تماماً شبكة الألماس رباعية الأوجه.
وهذا يربط مباشرة بين الانتقال من الشروط القاسية التي تحاكي أعماق الأرض، إلى بيئة مخبرية أبسط وأكثر قابلية للتحكم.
من تجربة افتراضية إلى واقع ملموس
لفترة طويلة، كان يُعتقد أن الحزم الإلكترونية تُدمر المركبات العضوية بسرعة، مما جعل فكرة تكوين بلورات منظمة منها ضرباً من الخيال. غير أن دراسات الطيف الكتلي أوحت بإمكانية تحرير روابط هيدروجينية محددة لإفساح المجال لتشكل روابط كربونية جديدة. ما فعله ناكامورا وزملاؤه هو متابعة ذلك مباشرة باستخدام الميكروسكوب الإلكتروني النافذ، حيث رصدوا في الزمن الحقيقي كيف تتجمع أوليغوميرات الأدامنتان لتتبلور في النهاية على شكل نانوالماس خالٍ من العيوب، لا يتجاوز قطره عشرة نانومترات.
وهذا يربط بين العالم النظري للحسابات الكمومية وبين المشاهدة العيانية التي طالما سعى إليها الكيميائيون لفهم سير التفاعلات.
آفاق واسعة للتقنية الجديدة
نجاح التجربة لم يتوقف عند حدود تصنيع بلورات الألماس النانوية، بل فتح إمكانيات جديدة لعلوم النانو والتقنيات الكمية. فمن خلال فهم كيفية تشكل الألماس تحت إشعاع الجسيمات عالية الطاقة، يمكن توسيع آفاق الإلكترونيات الدقيقة، وتقنيات النقش الإلكتروني، بل وربما تفسير كيفية نشأة الألماس في النيازك أو الصخور الغنية باليورانيوم في الطبيعة. هذا إلى جانب إمكانية تصميم نقاط كمومية مشبعة بالعناصر، وهي وحدات أساسية لبناء حواسيب كمومية وأجهزة استشعار متطورة.
وهذا يربط بين الإنجاز العلمي في جامعة طوكيو وبين التطبيقات المستقبلية في تكنولوجيا الكم والفضاء وحتى علوم الأرض.
خاتمة
بهذا الإنجاز، يبرهن فريق ناكامورا أن الإلكترونات ليست مجرد أداة للتدمير كما اعتقد الكثيرون، بل يمكن توظيفها كأداة دقيقة لتشكيل مواد عالية الترتيب مثل الألماس. بعد صبر استمر عقدين، تحقق الحلم الكبير ليحوّل البحث في الكيمياء الإلكترونية إلى تجربة بصرية حقيقية، ويمهد الطريق لتقنيات قد تغيّر وجه العلوم التطبيقية في العقود المقبلة.