ذكاء اصطناعي

خدعتنا يا مارك… لكن لن تمر الخدعة مرتين: جيل زد وإكس كشفوا لعبتك قبل أن تبدأ

خدعتنا يا مارك... لكن لن تمر الخدعة مرتين: جيل زد وإكس كشفوا لعبتك قبل أن تبدأ
مجد الشيخ
مجد الشيخ

4 د

مارك زوكربيرج يقدم رؤيته التكنولوجية الساعية لجذب المستخدمين، لكن جيل زد وإكس غير متحمسين.

يعتمد زوكربيرج على تفاعل جيل الألفية، غير أن الأجيال الأخرى ترفض التبعية لهذه الخطط.

جيل إكس يتمتع بمعرفة عميقة تجاه محاولات التلاعب التي تجعله يرفضها.

جيل زد يبتكر طرقاً للهرب من المراقبة الرقمية ويتمتع بفهم واعٍ للوضع الرقمي.

رغم جهود زوكربيرج، الأجيال الجديدة تفضل العالمية والحرية على سيطرة التكنولوجيا.

المشهد المتكرر للملياردير مارك زوكربيرغ وهو يتحدث بلغة منمقة وجدية عن أحلامه التكنولوجية المستقبلية يثير في ذهن الكثيرين شعورًا مزعجًا، كأنه يحاول جاهداً تقليد سلوك البشر دون أن ينجح تماماً. طبعاً لا أقصد القول إنه كائن فضائي، لكن بكل جدية، لو أخبرتكم أنه روبوت أتى من المستقبل ليجعلنا مدمنين على الهرمونات الرقمية مثل الدوبامين، ربما لن تعترضوا كثيراً.

منذ حوالي عقدين ونحن نعيش مع زوكربيرج وتجاربه الاجتماعية التكنولوجية التي أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية. منذ ظهرت "فيسبوك"، بدأ مشروعه الهادئ بتحويل حياتنا على الإنترنت إلى كازينو رقمي ضخم نقدم فيه بياناتنا الشخصية طواعية. والحقيقة أنه حقق نجاحاً كبيراً بالفعل مع جيل الألفية (الميلينيالز)، الذين احتضنوه ومشوا خلفه دون تفكير كبير؛ دخلوا "فيسبوك" بكل حماس، وانتقلوا خلفه إلى "إنستغرام"، وحاولوا أيضاً – وبحماس مبالغ فيه – إنجاح حلمه الأشهر "ميتافيرس". لكن هذه الخطة لم تنجح مع جيلين آخرين: جيل إكس وجيل زد.


التمرد المشترك لجيلين مختلفين

السبب بسيط للغاية: كلاهما يرفض الخضوع لأي سلطة أو محاولة تلاعب، وهذه الغريزة جاءت من نشأتهما المختلفة. جيل إكس (Gen-X) نشأ في عصر تشكّلت فيه لديه ريبة عميقة تجاه كل مؤسسة أو شركة كبيرة، سواء كانت اقتصادية أو حكومية. هذا الجيل عاش انهيارات الاقتصاد وتقلباته، وخرج بقناعة خاصة: الثقة في الأنظمة تجعلك عرضة للخداع.

أما الجيل زد (Gen-Z) الأصغر سناً، فقد وُلد في عالم مزدحم بالإعلانات الشخصية والموجهة، ومحاولات مستمرة لجذب انتباهه من الشركات، وتشكّل وعيه من خلال منصات رقمية تفهم كيف تستغل وقته وسيطرته الذهنية. وبدلاً من أن يقع في الفخ، قام هذا الجيل سريعاً برد فعل ذكي ومبتكر: لجأوا إلى حيل مثل برامج حظر الإعلانات، وإنشاء حسابات مجهولة، وتقليل التواجد الرقمي للهرب من المراقبة التجارية.


اللامبالاة كسلاح فعال ضد زوكربيرج

جيل زد يتعامل مع فيسبوك الآن على أنه مكان لمراسلة الأهل فقط. "إنستغرام" أصبح بالنسبة له فضاءً افتراضياً باهتاً ومتكلفاً لا يلبي رغبتهم بالواقعية والتلقائية. بينما بالنسبة لمشروع "ميتافيرس" وانغماسه في الواقع الافتراضي، فإن جيل زد يرى أنه محاولة يائسة من شركة "ميتا" لانتزاع أموالهم وبياناتهم الشخصية، فيرفضونه بسخرية واضحة عبر صنع المحتوى الساخر والنكات.

جيل إكس من جهة أخرى، وبصفته شاهدياً على البدايات، عاش تجارب سابقة مشابهة مثل "Second Life"، ومنح قراره النهائي هذا النوع من الخطط الرقمية الفوقية بالرفض المطلق. ببساطة، لا يرون فائدة في ارتداء نظارات الواقع الافتراضي فقط لأن زوكربيرج قال إنها ضرورية.


الخطأ الأكبر في مشروع زوكربيرج

فشل زوكربيرج الكبير هو افتراضه أن كل الأجيال ستقبل على منصاته بنفس الحماس الذي قبله جيل الميلينيالز. حين صمم تجربته الاجتماعية المعتمدة على إدمان المستخدمين للتطبيقات، تجاهل أهم حقيقة، وهي أن الجيلين إكس وزد يتعاملان مع التكنولوجيا بطريقة واعية جداً لما يحدث خلف الستار.

جيل إكس اختبر منذ شبابه حملات الإعلانات الاستهلاكية، وشاهد بوضوح كيف تتشكل الدعاية الإعلامية لإقناعه بشراء ما لا يحتاجه من منتجات، وبالتالي أصبح لديه مناعة دائمة من التلاعب التجاري. جيل زد مشى خطوة إضافية، ولم يكتفِ برفض ألعاب الشركات الكبيرة، وإنما خلق بنفسه قواعد جديدة للعبة الرقمية: حساباته على منصة "تيك توك" أو تطبيق "ديسكورد" أو عالم ألعاب الفيديو هي شواطئ رقمية بعيدة عن هيمنة هذه الشركات؛ اختارها بنفسه ليبقى حراً ومسؤولاً عن خياراته بشكل كامل.


الضغط لا يولّد اهتماماً، بل مللاً وهروباً

هذه الأجيال لا تقبل بأي فكرة يشعرون بأنها مفروضة عليهم، ولهذا يترك جيل إكس فيسبوك في اللحظة التي يتحول فيها إلى ملتقى للجدالات السياسية العقيمة بين كبار السن، ويبتعد جيل زد عن أي مكان يشعرون أنه مصطنع أو منمق أو مسيطر عليه بالكامل من الشركات.

ذو صلة

وبالتالي، كل محاولات زوكربيرج لجذب هذين الجيلين بطرق جديدة تنتهي بالفشل واستخدامها من قبل الجيل زد كمادة للسخرية عبر الميمز على الإنترنت. الفجوة بين زوكربيرج وبين هذه الأجيال تكبر وتتحول إلى واقع جديد وواضح تماماً: إكس يبتعد لأنه لا يرغب في كل هذا الضجيج التقني، وزد يبتعد لأنه يعرف جيداً كيف يحمي نفسه من الاستغلال الرقمي.

باختصار، سيواصل زوكربيرج ابتكار طرقٍ جديدة لإقناع الناس بالعيش في الواقع الافتراضي، لكن جيل إكس سيظل خارج التغطية، مختاراً حياة أكثر واقعية، وجيل زد سيضحك مستمتعاً من بعيد، مواصلاً خلق طرائفه الساخرة من محاولات شركات التكنولوجيا المتكررة – والفاشلة – في التحكم به واستغلاله.

ذو صلة