ذكاء اصطناعي

دواء من الفضاء! قمر صناعي يحول الكون إلى صيدلية للبشرية

محمد كمال
محمد كمال

3 د

نجحت شركة Varda Space Industries في إعادة كبسولة محملة بالأدوية المصنعة بالفضاء.

شكل هذا الحدث بداية تغيير محتمل في صناعة الأدوية عالميًا.

استفادت الشركة من انعدام الجاذبية لتصنيع مركبات دوائية نقية وفعّالة.

نجاح الشركة يرمز إلى بداية صناعة "التصنيع المداري" الجديدة.

تخطط الشركة لإطلاق المزيد من الكبسولات ودمج الفضاء في الإنتاج الدوائي المستقبلي.

في حدث غير مسبوق، تمكنت شركة ناشئة مقرها كاليفورنيا تُدعى **Varda Space Industries** من إعادة كبسولة فضائية إلى الأرض محمّلة بدفعة من الأدوية المصنّعة في بيئة انعدام الجاذبية. هذه الخطوة التي ظهرت من خلال فوز الشركة بجائزة *Gizmodo Science Fair 2025* اعتبرها خبراء بداية تحول قد يعيد رسم خريطة قطاع الصناعات الدوائية.

المثير في الموضوع أن ما جرى لم يكن مجرد تجربة بحثية على متن محطة الفضاء الدولية كما اعتدنا، بل كان مشروعاً تجارياً متكامل الأركان، من الإطلاق إلى العودة نحو الأرض. وهذا يفتح الباب لسؤال أكبر: هل ستصبح صناعة الأدوية في الفضاء جزءاً من الاقتصاد العالمي قريباً؟


من كبسولة عالقة إلى إنجاز تاريخي


بدأت المغامرة فعلياً عام 2023 حين أطلقت الشركة كبسولتها الأولى على متن صاروخ *سبيس إكس فالكون 9*. الهدف كان بسيطاً في الشكل لكنه بالغ الأهمية: استغلال انعدام الوزن لتبلور مركبات دوائية مثل **ريتونافير** المستخدم لعلاج فيروس نقص المناعة. لكن العقبات لم تتأخر، إذ رفضت السلطات الجوية والعسكرية الأميركية منح التصاريح اللازمة للعودة، ما أدى إلى بقاء الكبسولة عالقة في المدار لثمانية أشهر كاملة.

هذا التأخير كاد يهدد المشروع كله، لكن إصرار القائمين عليه أثمر في النهاية، حيث هبطت الكبسولة بأمان في صحراء يوتا في فبراير 2024. وهنا ينتقل السياق إلى النقطة الجوهرية: نجاح عملية الاسترداد جعل Varda أول شركة خاصة تعيد مركبة من المدار محملة بمنتَج صناعي وليس مجرد بيانات علمية.


لماذا الفضاء؟ وما الذي يميزه؟


الفكرة ليست ترفاً علمياً، بل تقوم على أساس فيزيائي بحت. ففي بيئة عديمة الجاذبية لا تتحكم قوى الحمل الحراري أو الطفو في حركة الجزيئات كما يحدث على الأرض. النتيجة أن البلورات البروتينية التي تتشكل في المدار تكون أنقى وأكبر حجماً وأكثر انتظاماً، وهي صفات حيوية في تصنيع العقاقير ذات الفعالية العالية.

وإذا ما اختُبرت هذه البلورات في التجارب السريرية لاحقاً، فقد نرى خلال العقد المقبل أدوية أكثر تركيزاً وجرعات أقل حجماً لكنها أعلى فاعلية. وهذا يربط بين التجربة الجريئة للشركة اليوم وبين طموح أوسع يهدف لإعادة تعريف طريقة إمداد المستشفيات بالعلاجات.


الانطلاق نحو صناعة كاملة


اليوم لم تعد Varda مجرد فريق صغير، بل أصبحت تضم أكثر من 140 موظفاً وتخطط لإطلاق عدة كبسولات كل عام. الشركة نالت بالفعل ترخيصاً أميركياً خاصاً بإعادة دخول المركبات الفضائية، وهو ما يفتح الباب أمام شركات ناشئة أخرى لدخول هذا المجال الواعد.

وبينما تدور كبسولتها الرابعة حالياً في مدار منخفض حول الأرض، تُجهّز المؤسسة لإطلاق مهمة خامسة قبل نهاية العام، مع خطط للتوسع إلى تشغيل كبسولتين أو ثلاث في الرحلة الواحدة خلال الأعوام المقبلة. هذه الوتيرة السريعة توضح أن الفضاء لم يعد مجرد مختبر معزول، بل منصة إنتاجية قابلة للتوسع.


الطريق إلى الأسواق الطبية


رغم ذلك، فإن حصول المرضى على دواء "صنع في الفضاء" لن يكون فورياً. الخبراء يتوقعون أن تبدأ التجارب السريرية قرب نهاية هذا العقد، وهو ما يعني أن الوصول التجاري لا يزال أمامه بضع سنوات. لكن الفارق الآن أن الفكرة لم تعد حلماً أكاديمياً، بل مشروعاً يمتلك خطة عمل واضحة، وبنية تحتية مادية ورقابية تم اختبارها بالفعل.


خاتمة

ذو صلة


خطوة Varda تمثل أكثر من نجاح شركة ناشئة؛ إنها مؤشر على بداية ولادة صناعة جديدة تُسمى **التصنيع المداري**، حيث الفضاء يتحول من ساحة استكشاف إلى خط إنتاج. وبينما ننتظر أول علبة دواء تحمل شعار "صُنع في الفضاء"، يبقى الأكيد أن هذا القطاع قد يغيّر وجه الصناعات الدوائية ويجعل المدار الأرضي جزءاً من سلسلة الإمداد العالمية.

ذو صلة