فضاء لا يغيّر رواد الفضاء فقط… بل يعيد برمجة خلايانا الجذعية!

3 د
تسارعت شيخوخة الخلايا الجذعية البشرية في الفضاء الخارجي وفقًا لدراسة حديثة.
اكتشف الباحثون أن خلايا الدم المرسلة للمحطة الفضائية الدولية فقدت القدرة على التجدد.
عند عودتها للأرض، بدأت الخلايا المتضررة بالتعافي مما يمنح أملاً للبحوث المستقبلية.
تمثل النتائج تحديًا جديدًا للرحلات الفضائية الطويلة وتثير تساؤلات حول حمايتنا في الفضاء.
تخيل أن جسد الإنسان، صُمّم لينمو ويعيش تحت ظل الجاذبية الأرضية وحمايتها. لكن ماذا يحدث عندما تخرج خلايانا للمحطة الفضائية الدولية، حيث لا جاذبية ولا درعاً من الإشعاع الكوني؟ دراسة علمية حديثة أطلقت جرس الإنذار لمجتمع الفضاء، بعدما كشفت أن الخلايا الجذعية البشرية تصبح أكثر نشاطاً في المدار الأرضي المنخفض، لكنها في الوقت ذاته تتعب بسرعة وتشيخ بمعدل كبير. النتيجة؟ عقبة جديدة في طريق أحلام البشر لاكتشاف الفضاء والسفر إلى الكواكب البعيدة مثل المريخ.
في الفضاء... هل تخوننا أجسامنا؟
حين نحلق خارج الأرض، نواجه عالمًا لا يشبه بيئتنا الأصلية في شيء. الإنسان هناك يكون في مواجهة قوة خفية اسمها "الميكروغرافية"، أي انعدام الوزن تقريبًا، تضاف إليها موجات شرسة من الأشعة الكونية التي تخترق الانسجة البشرية بلا رحمة. الباحثون استخدموا الذكاء الاصطناعي لمتابعة سلوك الخلايا الجذعية التي أُرسلت عبر مهمات لشركة سبايس إكس نحو المحطة الدولية، فاكتشفوا أن تلك الخلايا فقدت جزءًا من قدرتها على إنتاج الخلايا الجديدة، وأصبحت أكثر عرضة لتلف الحامض النووي، بل بدت عليها علامات الشيخوخة بوتيرة متسارعة.
جدير بالذكر أن بعض الدراسات السابقة سلطت الضوء أيضًا على مشاكل صحية تواجه رواد الفضاء، مثل فقدان كثافة العظام بعد شهور من العيش في المدار، أو ضعف في جهاز المناعة. وهذا يشكل رابطاً بين اكتشاف اليوم وتاريخ طويل من التحديات الطبية المرتبطة ببقاء الإنسان خارج الغلاف الجوي للأرض.
كيف رصد العلماء انهيار الخلايا الجذعية؟
تابع العلماء خلايا منشأ الدم، والتي تلعب دور الحارس الأول في الجهاز المناعي ومراقبة الخلايا السرطانية. تم جمع هذه الخلايا من نخاع العظام لأشخاص خضعوا لجراحات استبدال مفصل الورك، ثم نُميت في مفاعلات صغيرة مخصصة لتسهيل التفاعلات البيولوجية. بعض العينات بقيت على سطح الأرض، فيما انطلقت العينات الأخرى في أربع رحلات متتالية إلى المختبرات المدارية للمحطة الدولية.
وفي تجربة مارس فيها الذكاء الاصطناعي دور الطبيب المراقب، كشفت صور مجهرية تحليلية أن الخلايا الموجودة في الفضاء لم تقتصر فقط على النشاط الزائد، بل فقدت أيضاً قدرتها على الراحة والاستشفاء. كما لاحظ الباحثون تفاعلاً واضحاً مع أجزاء من الحمض الوراثي تُعرف باسم "الجينوم المظلم"، والتي ترتبط دوماً باستجابات التوتر وعلامات الشيخوخة.
هذا التسلسل الزمني السريع لأعراض التقدم في العمر يعطي صورة واضحة عن حجم التحدي الذي يواجه العلماء في سعيهم لحماية أجساد رواد الفضاء على المدى الطويل، وربما أيضاً يثير تفكيرنا حول كيفية تسريع عوامل الشيخوخة على الأرض نفسها بفعل ظروف بيئية أو ضغوط معينة.
ومضة أمل... هل يمكن عكس الضرر؟
رغم الصورة القاتمة، لم تكن النتائج بلا بصيص أمل. إذ لاحظ العلماء أنه عند إعادة هذه الخلايا المتضررة إلى بيئة نسيجية شابة وصحية على الأرض، بدأت علامات التلف والشيخوخة تتراجع. ما يعني أن هناك فرصة فعلية لوضع حلول لاحقة تعيد القدرة لهذه الخلايا الحيوية على التعافي والعودة لطبيعتها.
هذه اللمحة الإيجابية تدفعنا للتساؤل: هل سيتمكن العلماء في عقود قادمة من ابتكار بروتوكولات أو علاجات تُحافِظ على حيوية الخلايا الجذعية أثناء المهمات الفضائية الطويلة؟ أضف إلى ذلك أن فهم آليات الشيخوخة المتسارعة خارج الأرض قد يثري البحث عن علاجات لأمراض الكِبر والسرطان هنا على كوكبنا، في ربط فريد بين صحة الإنسان على الأرض ومستقبل السفر إلى أعماق الفضاء.
خلاصة القول أن نتائج هذه الدراسة تؤكد أن كل رحلة فضائية طويلة الأمد تحمل معها تحديات طبية معقدة على مستوى الخلايا الجذعية وتجدد الأنسجة، وهو درس أساسي أمام عصر جديد من استكشاف الفضاء والسياحة الكونية. تبقى حماية الرواد وتعزيز فهمنا للشيخوخة والتكاثر الخلوي ضرورياً، ليس فقط لصحة الأجيال القادمة من المسافرين، بل أيضًا لصحة كل من يعيش ويشيخ على سطح الأرض.
---