فوييجر 1 تعود من الصمت… وتفجّر سر الجدار الناري على حافة الشمس!

3 د
عاد المسبار فوييجر 1 للعمل بعد انقطاع دام خمسة أشهر.
كشف المسبار عن "جدار النار" عند حافة النظام الشمسي.
يواصل المسبار مهمته رغم التحديات التقنية والبيئة الفضائية العدائية.
فتح اكتشاف المسبار آفاقًا جديدة حول تأثير الشمس في الفضاء العميق.
نجاح فوييجر 1 يعد تذكيرًا بجرأة الحلم البشري في الفضاء.
في أعماق الظلام على أطراف نظامنا الشمسي، يترصد اكتشاف غامض لم يكن يتوقعه العلماء، حيث نجح المسبار **فوييجر 1** بعد أشهر من الصمت في إعادة بث إشاراته، كاشفًا عن أسرار غير مسبوقة من الحدود الكونية.
بعد انقطاع استمر خمسة أشهر، أعلنت وكالة ناسا في بيان رسمي أن فوييجر 1 عاد إلى الحياة، مثيرًا حماسة الباحثين الذين كانوا يخشون أن يكون هذا الصمت إيذانًا بنهاية أقدم بعثة فضائية عاملة. وهذا يؤكد ليس فقط مرونة التكنولوجيا التي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، بل أيضًا قدرة الفرق الهندسية على تخطي أعقد العقبات التقنية.
وهنا يبرز السؤال الأهم: ماذا يكشف لنا المسبار الآن عن المناطق المجهولة خارج الهيليوسفير؟
إصلاح تقني مدهش يعيد المسبار للعمل
أُطلق فوييجر 1 عام 1977، ليصبح أبعد جسم صنعه الإنسان على الإطلاق، مبتعدًا بأكثر من 15 مليار ميل عن كوكب الأرض. لكن في نوفمبر 2023، توقّف المسبار عن إرسال بيانات قابلة للفك رغم استجابته للأوامر. وبعد تحليل دقيق تبيّن أن الخلل في **منظومة بيانات الطيران**، حيث تضررت شريحة إلكترونية مسؤولة عن ترتيب المعلومات.
وبما أن إصلاح الشريحة مستحيل، لجأ المهندسون إلى حيلة بارعة: تقسيم الشيفرة المعطوبة إلى أجزاء صغيرة وزرعها في مناطق سليمة من الذاكرة. استغرق وصول التعليمات إلى المسبار 22 ساعة ونصف، في حين استغرقت عودة الرد المماثلة من الزمن، قبل أن تحتفل ناسا بعودة إشارات مفهومة في 20 أبريل 2024.
هذا النجاح لم يكن مجرد إصلاح، بل كان إعادة إحياء، ما أتاح للمسبار استئناف مهمته العلمية الفريدة.
جدار النار: ظاهرة لم تكن بالحسبان
بينما توقّع البعض أن يجد المسبار فراغًا هادئًا بعد اجتياز حاجز الهيليوبوز، فوجئ الباحثون باكتشاف منطقة شديدة النشاط تشبه ما وصفه العلماء بـ"جدار النار". ففي هذه المنطقة الفاصلة، يتصادم **الرياح الشمسية** مع **الوسط البينجمي**، مولّداً بلازما حارقة تصل حرارتها إلى 30 ألف درجة مئوية.
لكن ما يبدو كجحيم متقد ليس نارًا بالمعنى التقليدي، بل نتيجة تصادم الجسيمات بسرعات هائلة تحدث ما يسمى بـ**إعادة الاتصال المغناطيسي**، حيث تنكسر الحقول المغناطيسية وتتشكل من جديد مطلقة دفعات طاقة ضخمة. ورغم قسوة الظروف، يواصل فوييجر عبوره دون ضرر، إذ أن الكثافة الجسيمية في هذه المسافات ضئيلة للغاية.
هذا الربط بين قدرة المسبار على الصمود والبيئة العدائية المحيطة به يفتح آفاقًا جديدة لفهم كيف تؤثر الحقول المغناطيسية في حدود مجرتنا.
ماذا يعني ذلك بالنسبة للعلماء؟
الأهم في هذا الكشف أن المسبار لم يرصد انقطاعًا حادًا في الحقول المغناطيسية كما كان متوقعًا، بل استمرارًا غير متوقَّع بين البنية الشمسية والبنية البينجمية. هذا يعني أن تأثير الشمس قد يمتد أبعد مما تخيل العلماء، ما يغيّر مفاهيمنا حول حماية الكواكب من الإشعاعات الكونية وتوزيع الطاقة في الفضاء العميق.
ويمهّد هذا الفهم الطريق لتطوير نماذج أكثر دقة للتنبؤ بظواهر مثل العواصف الشمسية، مع انعكاسات مباشرة على مستقبل الرحلات الفضائية المأهولة ودراسة بيئات الكواكب الخارجية.
نهاية مؤقتة لبداية أبعد
أكثر ما يثير الإعجاب أن فوييجر 1، وبعد ما يقرب من نصف قرن من انطلاقه، لا يزال يعمل بطاقة نووية لا تتجاوز استهلاك لمبة منزلية بسيطة. ومع شبكة هوائيات عملاقة تلتقط همسات إشاراته من مسافة تتجاوز 24 مليار كيلومتر، يواصل المسبار حمل لقب "السفير البشري إلى النجوم".
إن عودة فوييجر 1 ليست مجرد إنجاز تقني، بل هي تذكير بجرأة الحلم البشري وبقدرتنا على اختراق أكثر الحدود ظلمة. وبينما يستعد لإرسال بيانات علمية جديدة عن الإشعاع الكوني وكثافة البلازما وتغيرات الحقول المغناطيسية، يدرك العلماء أن أمامهم فصلًا جديدًا من كتاب لا يزال يُفتح صفحة بعد أخرى عند أطراف الكون.
وبينما نترقب هذه البيانات، يبقى سؤال مفتوح: هل ما يرصده فوييجر مقدمة لاكتشافات أعظم تنتظرنا في مجرتنا؟