ذكاء اصطناعي

قفزة للبشرية: نجاح أول عملية ‘انتقال آني’ بين حاسوبين فائقين

قفزة للبشرية: نجاح أول عملية 'انتقال آني' بين حاسوبين فائقين
فريق العمل
فريق العمل

3 د

حقق العلماء لأول مرة النقل الكمومي بين حاسوبين خارقين بنجاح.

يُبنى النقل الكمومي على نظرية "التشابك الكمومي" لتحفيز التطور الفيزيائي.

يُمكن للتقنية فتح أفق لشبكة عالمية للاتصالات الكمومية، تعزز سرعة المعلومات.

تُمثل هذه الخطوة ثورة في معالجة البيانات وتأمين الاتصالات بشكل غير مسبوق.

قد يبدو النقل الآني أو "الانتقال اللحظي" كحلم مستوحى من أفلام هوليوود وروايات الخيال العلمي، حيث يختفي الجسم من مكان ليظهر فورًا وبشكل سحري في مكان آخر. لكن اليوم أصبح هذا المفهوم أكثر واقعيةً، بعد نجاح باحثين في تحقيق النقل الكمومي بين حاسوبين خارقين لأول مرة في التاريخ، وهي خطوة ثورية تعدُّ من أهم إنجازات علم الفيزياء الكمومية.

للتوضيح ببساطة، النقل الكمومي لا يعني اختفاء شيء ما حرفيًا وظهوره بكامل هيئته في مكان آخر. بل إن ما تم إنجازه هو نقل "المعلومة الكمومية"، وهو مفهوم معقّد لكنه مبني على نظرية تعرف باسم "التشابك الكمومي"، وتعني ببساطة أن جسيمين مرتبطين فيزيائيًا بحيث يتأثر كلٌّ منهما فورًا بحالة الآخر رغم بُعد المسافة بينهما. علّق أينشتاين على هذه الظاهرة سابقًا واصفًا إيّاها بـ"التأثير الشبحي عن بُعد" نظراً لغرابتها؛ إذ أن الأجسام في عالم الكم لا تكون محددة الخصائص إلا بعد قياسها.

وهذا الربط يقودنا مباشرةً إلى الإنجاز الذي حققه فريق علمي من جامعة أكسفورد مؤخراً. الفريق استخدم تقنية تعرف "بحجز الأيونات"، وهذه الطريقة تعني التحكم بالأيونات (وهي ذرات تحمل شحنة كهربائية معينة) وإبقائها معلقة داخل مجالات كهرومغناطيسية عبر استخدام الليزر.

رغم أن الوصف هذا قد يوحي بسهولة الأمر، إلا أن العملية خلف الكواليس تضمنت سنوات طويلة من التجارب، لضمان الدقة العالية والتحكم المطلق بحالة التشابك لأجل نقل حالة "الكيوبت" —وهي الوحدة الأساسية للمعلومات في الحواسيب الكمومية— من معالج كمومي إلى آخر بشكل كامل وصحيح ودون أي فقد.

ويدفعنا ذلك إلى التساؤل: ما الذي يميّز هذا الإنجاز عن طرق نقل المعلومات المعتادة في أجهزة الكمبيوتر التي نستخدمها يوميًا؟ في الحواسيب التقليدية، تنتقل المعلومات عادة عبر أسلاك وكابلات بواسطة تدفق الإلكترونات أو الفوتونات. أما في النقل الكمومي، فالعنصر الأساسي هو هذا الرابط الكمومي المباشر (التشابك)، الذي يسمح بإعادة بنية المعلومات في الموقع الآخر مباشرة وفوريًا كأنه يتخطى تلك الحواجز المادية التي اعتدنا عليها.

وهكذا، يصبح من الواضح أنه إذا ما تمكنا من توظيف هذه التقنية على نطاق أوسع بين حواسيب كمومية متعددة حول العالم، ستتم عمليات تبادل البيانات الضخمة بسرعة غير مسبوقة ودون تأخير. ستصبح الحواسيب قادرة على بناء شبكة عالمية جديدة للاتصالات الكمومية، مما يعني ثورة حقيقية في مجالات تبادل المعلومات ومعالجتها وتأمينها. الحكومات والمؤسسات الطبية وحتى الشركات الثلاثية الكبرى ستتمكن من تبادل بيانات مشفّرة بسرعة هائلة وبأمان يكاد يكون مستحيلاً اختراقه.

ذو صلة

هذه التجربة ليست مجرد إنجاز تقني عابر، بل هي دليل واقعي على قدرة الرؤية العلمية على تحقيق ما كنا نعتبره مستحيلاً منذ عقود. إنها خطوة تزيد من اقتراب البشرية من تحقيق شبكة كمومية عالمية للإنترنت. كما ستدفعنا لتغيير نظرتنا للتواصل بشكل عام، وتغيير القواعد والتشريعات التي تنظّم نقل المعلومات.

في الختام، لا تكمن قيمة هذا الإنجاز في الجانب التكنولوجي والتقني فحسب، بل أيضاً في ما يمثّله من تقدم علمي وفلسفي. فهو يرسي الأساس للتحرر قريباً من وسائل النقل المادي التقليدي للمعلومات، ليحل محلها نظام رقمي غير مرئي لكنه فعال بشكل مدهش. ولعلّ استخدام كلمات مثل "ثورية" أو "تغير قواعد اللعبة" بدلًا من "قفزة" يساعد في التعبير بشكل أدق عن الأثر العظيم المتوقع في المجالات العلمية والتكنولوجية والمجتمعية، ويجعل التعبير أكثر تأثيراً وإلهاماً للمستقبل.

ذو صلة