وداعًا لليثيوم… العلماء يشعلون ثورة ببطارية هيدريد أيون تشحن نفسها!

3 د
نجح فريق صيني في تصنيع أول بطارية هيدريد أيوني قابلة لإعادة الشحن.
استخدم العلماء في تصميمها إلكتروليتًا جديدًا يسمح بانتقال سريع للأيونات.
تتمتع البطارية بقدرة عالية وثبات حراري وكهربائي في درجة حرارة الغرفة.
يتيح استخدامها المستقبلي في أجهزة الطاقة والنقل والمساهمة في الاستدامة البيئية.
منذ سنوات والباحثون يبحثون عن بدائل للبطاريات التقليدية، بين الليثيوم والصوديوم والمغنيسيوم. لكن خبرًا جديدًا من الصين جاء ليضع عنصرًا مختلفًا على الطاولة: الهيدريد. فريق بحثي من معهد داليان التابع للأكاديمية الصينية للعلوم نجح ولأول مرة في العالم في ابتكار بطارية هيدريد أيوني تعمل بكفاءة في درجة حرارة الغرفة وقابلة لإعادة الشحن.
وهنا تبدأ القصة؛ فالهيدريد أيون (H⁻) لطالما جذب الاهتمام العلمي بفضل خفته العالية وجهده الكهروكيميائي الكبير، لكنها ظلت فكرة على الورق لأن لا مادة إلكتروليتية تمكنت سابقًا من الجمع بين سرعة انتقال الأيونات والثبات الحراري والتوافق مع الأقطاب.
كيف صُنعت هذه البطارية؟
لتحقيق هذه القفزة، ابتكر العلماء إلكتروليتًا جديدًا يحمل تصميم “النواة والغطاء” أشبه بالهياكل النانوية. اعتمدوا على مادة سيريوم هيدريد (CeH3) ذات التوصيل العالي كقلب، ثم غلفوها بطبقة رقيقة من باهيدرايد الباريوم (BaH2) لتمنحها الاستقرار. هذه التركيبة المبتكرة سمحت بانتقال سريع للأيونات في درجة حرارة الغرفة، وحافظت على ثباتها الحراري والإلكتروني، وهو ما كان مفقودًا في المحاولات السابقة.
وهذا يربط بين الأساس العلمي للتصميم الجديد وبين الحلم العملي بتطبيقه في أجهزة طاقة يومية.
الأداء على أرض الواقع
لم يتوقف الأمر عند التجارب المخبرية. بل صنع الفريق نموذجًا أوليًا لبطارية صلبة بالكامل باستعمال NaAlH4 — وهو مركب معروف بتخزين الهيدروجين — ككاثود فعّال. هذه الخلية حققت سعة تفريغ أولية مذهلة بلغت نحو 984 ملي أمبير-ساعة لكل غرام عند درجة حرارة الغرفة، وحافظت على 402 ملي أمبير-ساعة حتى بعد عشرين دورة. والأجمل أنهم رصّوا عدة خلايا معًا لتوليد جهد بلغ 1.9 فولت، وهو ما يكفي لإضاءة مصباح LED صغير، كدليل حي على إمكانية الاستخدام العملي.
وبذلك ينتقل الموضوع من مجرد “ورقة بحثية” إلى خطوة ملموسة تقربنا من جيل جديد من البطاريات محسّن الأداء وأكثر أمانًا.
ماذا عن الاستدامة؟
من أبرز مزايا البطارية الجديدة أنها لا تعاني من ظاهرة “التشعبات” المعدنية (dendrites) التي تُقلق مصنّعي بطاريات الليثيوم، لتصبح أكثر أمنًا من ناحية الاستعمال. كما أن اعتماد الهيدروجين كحامل للشحنة يفتح الباب أمام اقتصاد طاقة نظيف ومستدام، بما أن الهيدروجين هو العنصر الأكثر وفرة في الكون ويمكن إنتاجه بطرق صديقة للبيئة. هذا يجعل الابتكار مناسبًا لرؤية “الحياد الكربوني” ويسمح للعلماء بالحديث عنه كأحد مفاتيح تخزين الطاقة المتجددة في المستقبل القريب.
وهذا يربط بين الأداء المخبري الواعد والاعتبارات البيئية التي تسعى الدول لتحقيقها ضمن استراتيجياتها المناخية.
مستقبل البطاريات الهيدريدية
رغم أن هذه البطارية ما تزال في مرحلة تجريبية، إلا أن الإمكانيات واعدة جدًا. إذا نجح الباحثون في توسيع نطاق الإنتاج وخفض الكلفة، قد نراها يومًا ما في السيارات الكهربائية أو في تخزين الكهرباء من الشمس والرياح. هي خطوة صغيرة في المختبر، لكنها قد تتحول إلى قفزة جبارة في أسواق الطاقة.
والرسالة الواضحة هي أن أفق تطوير البطاريات لم يغلق بعد عند الليثيوم، بل يفتح مجددًا على عناصر ومواد قد تغيّر شكل الصناعة كلها.
الخلاصة
من خلال الجمع بين بنية مبتكرة ومواد معروفة ومفهوم يركز على الاستدامة، وضع فريق معهد داليان حجر الأساس لأول بطارية هيدريد أيوني قابلة لإعادة الشحن في العالم. هذا الإنجاز لا يضيف فقط فصلًا جديدًا إلى علوم البطاريات، بل يشير إلى مستقبل قد تكون فيه أجهزة التخزين أكثر أمانًا وفعالية وصديقة للبيئة.