أكثر من مليون عام! اكتشاف جيني لماموث قد يغير فهمنا للتطور

4 د
اكتشف العلماء في سيبيريا ماموثًا عمره 1.
1 مليون سنة مع ميكروبات قديمة.
اكتشاف الميكروبات ربط تاريخ الماموثات بالتطورات البيولوجية المعاصرة للبشر والفيلة.
الفريق حدد ستة أنواع من البكتيريا التي عاشت في الماموث أثناء حياته.
يوفر هذا الاكتشاف نافذة جديدة لدراسات أعمق في علم الأحياء القديمة.
يكشف الاكتشاف عن جوانب التعايش والتوازن البيئي عبر العصور.
وسط براري سيبيريا العميقة وتحديداً قرب نهر أديتشا في شمال شرق روسيا، اكتشف العلماء واحدًا من أقدم الماموثات التي عاشت على الأرض، حيث يعود عمر عظامه إلى مليون ومئة ألف عام. هذا الحدث لم يكن مجرد إضافة لعالم الأحافير، بل أصبح محور دراسة ثورية كشفت تفاصيل غير مسبوقة عن الميكروبات التي عاشت واتخذت من أجساد هذه العمالقة مسكنًا لها. الحديث هنا ليس عن الماموث الشهير فحسب، بل عن أسرار محفوظة في الحمض النووي وجدت طريقها أخيرًا إلى الضوء بعد آلاف السنين وسط الجليد.
لماذا يهتم العلماء بالبكتيريا القديمة؟
عادةً حين يبحث العلماء في تاريخ الميكروبات يتوجهون مباشرة إلى الإنسان وأسلافه، متجاهلين الكائنات المنقرضة مثل الماموث. لكن فريق الباحثين بقيادة بنيامين جينيت من متحف التاريخ الطبيعي السويدي غيّر هذه القاعدة، وقرر تحليل الحمض النووي الميكروبي الموجود في 483 بقايا من ماموثات مختلفة. جمع هؤلاء الباحثون هذه العينات من سبعة مواقع متفرقة بين روسيا وكندا، واستطاعوا استخراج ما لا يقل عن 310 نوعاً مختلفًا من الميكروبات التي وجدت في أسنان وعظام وأجزاء أخرى من الماموث. الرابط بين هذه الدراسة وسابقاتها يكمن في الوسائل الجديدة التي تسمح للعلماء باستكشاف ليس فقط بيئة الماموث، بل والمخلوقات الدقيقة التي رافقت حياته ومماته عبر الزمن.
ميكروبات استثنائية لها تاريخ طويل مع الماموث
الأهم في هذه الاكتشافات لم يكن فقط الكم الكبير من الميكروبات، بل تمكن العلماء من تحديد ستة أنواع منها كانت مرتبطة مباشرة بمضيفها—أي أنها لم تصل إلى العظام بعد موت الحيوان بل عاشت بداخله عندما كان على قيد الحياة. هنا تبدأ الحكاية مع بكتيريا اسمها “إريسيبيلوثريكس”. تم التعرف على آثارها في ضرس ذلك الماموث القديم من نهر أديتشا، وهو نفس الضرس الذي وجدت فيه أقدم شيفرة جينية على الإطلاق لحيوان منقرض. وجود هذه الميكروبات في أقدم ماموث يدل على أن علاقة الماموث بالبكتيريا قديمة ومرتبطة بانعطافات تطوره وحتى أمراضه، خصوصاً أن هذه البكتيريا معروفة اليوم بأنها قد تتسبب بأمراض خطيرة مثل التهاب شغاف القلب.
وهذا يقودنا للحديث عن أنواع أخرى تم الكشف عن وجودها، من بينها أنواع من “باستوريلا” و“ستريبتوكوكوس”، والبعض منها تماثل في شفرتها الجينية سلالات تصيب في وقتنا الحالي أفيال أفريقيا وحتى البشر، حيث تسبب تلوث الدم أو تسوس الأسنان. هذا التشابه يربط الماضي بالحاضر، ويكشف أن بعض الأمراض والمظاهر الصحية سافرت معنا ومع الحيوانات منذ آلاف السنين.
الفهم الجديد للميكروبات وتأثيراتها على الحياة
على الرغم من السمعة السيئة لبعض هذه البكتيريا، إلا أن كثيرًا منها قد يكون حليفاً وليس خصماً. مثلاً، بكتيريا “باستوريلا” تلعب دورًا مهمًا في إنتاج حمض السكسينيك، الذي يساعد الكائنات الحية على إنتاج الطاقة وحرق الغذاء. الفكرة هنا أن وجود هذه الكائنات الدقيقة داخل جسم الماموث يشير إلى نظام بيئي داخلي معقد تطور عبر العصور، بل حدد – وربما ساهم – في صحة الماموثات وقدرتها على التكيف مع بيئتها القاسية. الانتقال من قصة الأمراض إلى الحديث عن فوائد هذه الميكروبات يوضح أن الحياة القديمة لم تكن فقط صراعًا ضد العدوى، بل أيضاً مثال للتعايش والتوازن الحيوي.
ما الذي تعنيه هذه الاكتشافات لمستقبل علم الأحياء القديمة؟
أهمية هذا العمل لا تتوقف عند حدود الكشف عن أنواع جديدة من البكتيريا، بل تتجاوزها لتضع بين يدي العلماء قاعدة بيانات مذهلة ستكون نقطة انطلاق لدراسات أكبر مستقبلًا. أصبح واضحًا الآن أن دراسة الحمض النووي للميكروبات المرتبطة بالحيوانات المنقرضة ممكنة وواعدة. وهذا يفتح نافذة جديدة لفهم طبيعة الأمراض التي أصابت الماموثات، وكيف تأثرت صحتها وتطورها بعلاقاتها الميكروبية. قدرتنا على إعادة بناء أجزاء من حياة هذه الكائنات العملاقة، وحتى استكشاف أسرار بقائها واندثارها، أصبحت أكبر اليوم بفضل الجهد المشترك بين علوم الوراثة، الميكروبيولوجيا، والطب البيطري القديم.
في الختام، يوضح هذا الاكتشاف كيف أن أسرار الحياة القديمة ما زالت محفوظة تحت الجليد، تنتظر لحظة الكشف لتروي لنا قصصًا بدأت منذ ملايين السنين. أصبح فهمنا لتاريخ الماموثات أكثر احتواء، بعدما أظهر لنا الحمض النووي والميكروبات المرتبطة بها أن تاريخها لايقف عند شكل العظام بل يحمل في طياته أسرار الصحة والمرض، التعايش والنهاية، في لوحة طبيعية معقدة ومتداخلة.