ذكاء اصطناعي

بوابة عملاقة في جبال كازاخستان تثير الجدل… ماذا تٌخبئ خلفها؟

محمد كمال
محمد كمال

3 د

مستكشفون يتفاجؤون عند رؤية باب ضخم منحوت في جبال ألاتاو دزونغارية.

الباب الطبيعي أثار نقاشات على ريديت، حيث رآه البعض بوابة لعالم خيالي.

المعلم يُعتبر جزءًا من "بوابة دزونغارية"، ممر استراتيجي قديم بين آسيا والصين.

الجيولوجيون يفسرون هذه التكوينات كظواهر طبيعية ناتجة عن عوامل الحت والوقت.

الظواهر الطبيعية المثيرة تدمج بين الأسطورة والعلم، محققة إلهامًا وربطًا خياليًا.

في جبال ألاتاو دزونغارية النائية بكازاخستان، وقف مستكشفان مذهولان أمام ما يبدو أنه باب ضخم منحوت وسط صخور شاهقة مغطاة بالثلوج. هذا المشهد المثير، الذي انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا، أثار موجة من التساؤلات بين رواد الإنترنت وخصص له عشاق الغرائب على منصة "ريديت" مساحة واسعة من النقاش، فهل عثر هؤلاء المغامرون على أثر لحضارة مفقودة أم أن للطبيعة رأيًا آخر؟

من السهل أن يخدعنا مشهد باب هائل ومهيب وسط الجبال، فتتداعى في الأذهان بسرعة صور حضارات غابرة وأساطير دارت حولها الروايات. بعض المتابعين على "ريديت" ذهبوا بعيدًا في التكهنات، فاستحضروا قصصًا من أفلام الفانتازيا واعتبروا المشهد أشبه ببوابة لعالم آخر، حتى أن البعض وصفها بأنها "بوابة الموتى". وهذا التفاعل الحماسي يُعيد إلى الواجهة العلاقة المعقدة التي تربط الإنسان بالظواهر الطبيعية الغامضة، حيث لا يزال الفضول رفيقًا لنا في استكشاف أسرار العالم.

لكن ما حقيقة هذا المعلم الضخم؟ عند التدقيق في موقع الباب المثير للجدل، يتبين أنه جزء من فتحة طبيعية ضخمة تُعرف باسم "بوابة دزونغارية" أو "ممر ألطاي"، وهو ممر جبلي يمتد بين آسيا الوسطى والصين. يُعتبر هذا الممر منذ آلاف السنين مَعبرًا استراتيجيًا للتجار والمسافرين، كما ارتبط بجغرافيا الأساطير الإغريقية القديمة التي تحدثت عن مناطق بعيدة موصوفة في خيالهم كموطن شعوب خرافية تدعى الـ"هيبربوريون". هذا المزج بين الواقع التاريخي والأساطير يضيف للمكان هالة من الغموض والجاذبية، ويمنح الصخور والبوابات الطبيعية فيه طابعًا مميزًا يثير إعجاب المستكشفين والهواة على حد سواء.


ظواهر جيولوجية تذهل البشر

واللافت أن هذا "الباب" ليس شاذًا عن الطبيعة كما يُخيل للبعض، فالعلماء، وخاصة الجيولوجيون منهم، يؤكدون أن مثل هذه التشققات العملاقة والتكوينات الصخرية الفريدة شائعة في مناطق ذات نشاطات جيولوجية كبيرة. فبمرور ملايين السنين، تتعرض الجبال لعوامل الحت الناتجة عن الرياح والماء والثلوج والتغير الحراري، ما يُفضي أحيانًا إلى انشقاق الصخور العملاقة وتشكّل أشكال معمارية خلابة يراها الإنسان اليوم كالأقواس أو الأبواب الحجرية. هذه العمليات الطبيعية البطيئة يُصعب أحيانًا تخيلها، لكنها تبرهن على عبقرية الطبيعة الهندسية وقدرتها على رسم مشاهد أقرب للفن منها إلى الجماد.

ويندفع النقاش هنا إلى سؤال أوسع حول ميلنا كبشر إلى إسقاط الخيال والأسطورة على المعالم الطبيعية الغامضة — فكلما قابلنا ظاهرة مذهلة يصعب تفسيرها من النظرة الأولى، حاولنا ربطها بأحداث خارقة أو حضارات بعيدة. ولكن المرة تلو الأخرى، تثبت لنا الطبيعة أنها وحدها قادرة على خلق عجائب تتجاوز قدرة البشر على التصور.


ما الذي يجعل المشاهد الطبيعية تحظى بكل هذا الاهتمام؟

ذو صلة

وربما يدفعنا هوسنا الجماعي بالاكتشاف إلى التركيز على أماكن مثل بوابة دزونغارية، فالإنترنت اليوم منصة عملاقة لإعادة توزيع غرائب الجغرافيا والأمور الخارقة، من اكتشافات توصف أحيانًا بأنها "أدلة" على حياة فضائية، إلى قصص أثرية يبني عليها الخيال الشعبي روايات كاملة. وفي كل مرة تنتشر فيها صورة غير معتادة لمعلم طبيعي أو ظاهرة جيولوجية غير مألوفة، نجد أنفسنا أمام سيلٍ من التأويلات، بعضها قائم على حقائق علمية، والآخر جزء من ثقافة حكايات الإنترنت المعاصرة.

خلاصة القول، أن الباب العملاق في جبال كازاخستان ليس إلا تحفة جيولوجية استثنائية، ناتجة عن قوى الطبيعة المستمرة عبر الزمان. ولو لم ينقل لنا المستكشفون صورته الغريبة، ربما بقي ضمن أسرار الأرض حتى إشعار آخر. لكن ما بين التفسيرات العلمية وجموح الخيال الشعبي، يبقى العالم مليئًا بالمفاجآت التي تذكرنا دومًا كم أن كوكبنا زاخر بالأسرار البصرية والمعمارية — بعضها من صنع الإنسان، ومعظمها من إبداع الطبيعة نفسها.

ذو صلة