ذكاء اصطناعي

شيفرتنا الوراثية… هل تكتب مسبقًا موعد شيخوختنا؟

محمد كمال
محمد كمال

3 د

يقترح البروفيسور دي ماغالهايس أن الشيخوخة قد تكون نتيجة خطأ برمجي في الشيفرة الوراثية.

الدراسة تسلط الضوء على ضرورة إعادة النظر في الأسباب التقليدية للشيخوخة، مثل تلف الخلايا.

ترى الورقة أن العلاج المستقبلي للشيخوخة يجب أن يركز على إصلاح الشيفرة الوراثية.

الباحث يدعو إلى تطوير علاجات تستهدف المعلومات الوراثية مباشرة لتعزيز الشباب والصحة.

هذا التحليل يربط بين علوم الأحياء والبرمجة لدراسة الشيخوخة ومعالجتها بفعالية.

هل فكرت يوماً أن التقدّم في السن ليس مجرد تراكم للأعطال الصغيرة في أجسادنا، بل ربما يكون نتيجة خطأ مبرمج في شيفرتنا الوراثية؟ هذا هو التساؤل اللافت الذي طرحه البروفيسور جواو بيدرو دي ماغالهايس، أستاذ بيجيرانتولوجيا الجزيئية بجامعة برمنغهام، في مراجعة علمية جديدة نشرت مؤخراً في مجلة "جينوم بيولوجي".

تضع هذه الدراسة المثيرة القارئ أمام منظور جديد تماماً حول أسباب الشيخوخة وآلياتها. فبدلاً من الاعتقاد السائد بأن الشيخوخة ناتجة عن تلف تراكمي عشوائي في خلايانا وأنسجتنا، يقترح الباحث أن الشيخوخة قد تكون نتيجة عيب تصميمي في البرمجة الحيوية (الوراثية) التي تدير أجسادنا من الداخل. وهذا الربط بين فيزيولوجيا الإنسان وبرمجة أجهزة الكمبيوتر يساعدنا على فهم الفكرة بصورة أبسط، إذ يشبّه البروفيسور جسم الإنسان بجهاز حاسوب حيث الجينات هي برمجيات "السوفت وير" والخلايا هي القطع "الهارد وير".

وهكذا، ينقلنا هذا التحليل إلى فكرة أن الشيخوخة ليست مجرد مصير محتوم ناتج عن تراكم أضرار الاكسدة أو قصر التيلوميرات، بل ربما تكون جزءاً منظماً من طريقة عمل الجسم، وكأن هناك خللاً في المعلومات الوراثية التي تتحكم في بناء أجسامنا ونموها منذ الطفولة وحتى مراحل الذبول. طبعاً، هذا التصور يفتح مجالات جديدة لإعادة التفكير في كيف نفهم الشخوخة وكيف نتعامل معها علاجياً.


تغيير النظرة إلى الشيخوخة: من التلف العشوائي إلى العيب البرمجي

ما يجعل هذا الطرح مثيراً هو أنه يدعو لإعادة النظر في كل المسلّمات المتعلقة بكيفية تدخل الأطباء والعلماء في محاولة "علاج" أو إبطاء الشيخوخة. فحسب ما ورد في الورقة البحثية، فإن الحلول التقليدية التي تركز على إصلاح التلف الخلوي – مثل مكافحة الجذور الحرة أو محاولة إطالة عمر التيلوميرات – قد تقدم نتائج محدودة جداً. ويُرجّح البروفيسور دي ماغالهايس أن القراءات المعروفة حول الشيخوخة والمستهدفات الدوائية الحالية ربما كانت تقوم على فرضيات ناقصة.

وهذا يربط بين جدل فلسفي وعلمي حول ما إذا كانت الشيخوخة مجرد نوع من "الأخطاء المعلوماتية" أو خطأ بالهيكلة الداخلية للبرامج التي توجه عمل الخلايا والأعضاء. فإذا قبلنا بأن المعلومات الوراثية هي من يحدد نظام الإصلاح والتجدد، يكون لتدخلات مثل إعادة برمجة الخلايا أو ما يسمى "التجديد اللاجينومي" أثر أكبر بكثير من العلاجات التقليدية التي تلاحق الأضرار بعد وقوعها.


إمكانيات مستقبلية لعلاج الشيخوخة

استناداً إلى هذا التصور الجديد، يشير الباحث إلى ضرورة تطوير حزمة من العلاجات التي تستهدف المعلومات الوراثية مباشرة، كبرمجة خلايا الجسم لإعادة الشباب أو "إعادة ضبط" العمليات الوراثية المسؤولة عن مظاهر الشيخوخة. وهذا يعيد ربط الموضوع بحركة نشطة في العالم العلمي تسعى لفهم العلاقة بين علم الجينات، التغيرات اللاجينية، وتركّب البروتينات، وأثرها على الصحة والعمر المديد.

ذو صلة

اللافت أن مراجعة البروفيسور دي ماغالهايس تجعلنا نعيد التفكير في مفاهيم أساسية كتصليح الحمض النووي، تحفيز بناء الشعيرات الدموية الجديدة، وتنظيم الجينات المسؤولة عن التمثيل الغذائي والمناعة. كل هذه العوامل تتعالق مع فكرة أن إصلاح البرامج الوراثية قد يقود مستقبلاً لفهم أفضل لآليات الشيخوخة وربما "إبطائها" أو حتى "عكسها".

في نهاية المطاف، يشير هذا الطرح إلى أن مستقبل مكافحة الشيخوخة قد يكون في عبور مسافة بين العلوم الحيوية وعلوم البرمجة، حيث يتحوّل التركيز من تصليح الأعطال الميكانيكية في الجسم إلى إعادة كتابة الشيفرة الوراثية أو "تحديث البرنامج" الداخلي. وبينما لا تزال هذه الأفكار في طور التطوير والنقاش العلمي، إلا أنها تعرض للقارئ أفقاً جديداً يربط بين علم الوراثة، بيولوجيا الخلايا، وتقنيات العصر الرقمي، وتدعو الجميع إلى ترقب تغييرات أكبر في فهم الحياة والموت والطب الوقائي.

ذو صلة