ذكاء اصطناعي

السرطان ليس صدفة… إنه خطة مكتوبة في حلقات DNA خارجة عن القانون!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشفت دراسة أن حلقات DNA غير الكروموسومية تتسبب في أورام الدماغ العدوانية.

تظهر هذه الحلقات في وقت مبكر من تطور الورم وتشمل جين EGFR المحفز للسرطان.

قد تتيح الفحوص المستقبلية الكشف المبكر عن هذه الحلقات عبر تحاليل دموية.

تحمل الحلقات جينات متعددة، تفسر تنوع استجابة الأورام للعلاج بين المرضى.

هل فكرت يوماً أن قطعاً دائرية صغيرة من الحمض النووي – لا تنتمي إلى أي كروموسوم – قد تكون وراء أكثر أنواع سرطان الدماغ شراسة وغموضاً؟ دراسة دولية حديثة أزاحت الستار عن دور ما يُسمى بالحلقات الجينية الخارجة عن المألوف، المسماة علمياً "الحمض النووي خارج الكروموسومات" أو ecDNA، في نشأة وتطور ورم "الأرومة الدبقية"، وهو أخطر أنواع أورام الدماغ لدى البالغين وأكثرها مقاومة للعلاج.

في هذا الإنجاز العلمي، والذي نُشر حديثًا بمجلة "كانسر ديسكوفري"، أظهر فريق علمي من بريطانيا والولايات المتحدة وأوروبا أن هذه الحلقات تتواجد في وقت مبكر للغاية من تطور الورم – بل إنها قد تظهر حتى قبل تكوّن الأورام بشكل كامل عند بعض المرضى. هذا الاكتشاف، على بساطته، قد يكون نقطة تحوّل في تشخيص الورم مبكراً ومراقبته ووضع خطط علاجية أكثر ذكاء.

وإذا تتبعنا ملابسات هذا البحث، يقودنا العمل الذي أجرته مجموعة eDyNAmiC، وهي فريق دولي يضم خبراء من جامعات مرموقة مثل كوين ماري في لندن وستانفورد في كاليفورنيا ومعهد فرانسيس كريك في بريطانيا. وجمع الفريق بين بيانات جينية دقيقة وصور متقدمة، ثم استخدموا نماذج حسابية تحاكي كيف تتشكل حلقات ecDNA وتنتشر وتؤثر في العدوانية الجينية للأورام.


العنصر المحيي: جينات السرطان على ecDNA


الربط بين التطور الجزيئي للورم وصولاً إلى تحديات التشخيص يقودنا إلى أبرز ما كشفته الدراسة: أغلب حلقات ecDNA تحمل الجين المحفز للسرطان المعروف باسم EGFR، وقد أظهرت البيانات أنه يظهر مبكراً جداً أثناء نشوء الورم. الأدهى أن بعض هذه الحلقات تكتسب طفرات إضافية مثل متغير EGFR vIII الشرس، ما يجعل الورم أكثر مقاومة للأدوية وأشد فتكاً بالخلايا العصبية.

ومن اللافت للنظر أن الفريق العلمي رصد – عبر محاكاة متطورة شملت ملايين السيناريوهات – إمكانية التقاط هذه العلامات الجينية مبكراً ربما عبر فحوص دموية مستقبلاً، قبل أن تتحول الخلايا إلى أورام يصعب إخضاعها للعلاجات التقليدية. هذا الأمر يفصّل لنا كيف أن النقلة الجينية المبكرة تضعنا أمام نافذة ذهبية للتدخل السريع قبل استفحال المرض.


تعدد الجينات وحدة المصير

حث في تفاصيل أخرى: حلقات ecDNA لا تحمل بالضرورة جين سرطان واحد فقط، بل قد تجمع عدة جينات فتاكة على ذات الحلقة. هذا يشرح كيف تتباين الأورام في السلوك والاستجابة بين المرضى، ويمنح الأطباء سبباً آخر ليبحثوا عن طرق علاجية مخصصة تعتمد على الخريطة الجينية لكل ورم على حدة.

كما أن هذا التشابك الجيني داخل حلقات ecDNA يثير الفضول العلمي لمعرفة كيف تتفاعل هذه الحلقات مع الأدوية، بل ولفهم لماذا تنشأ المقاومة العلاجية ومتى تظهر. وهذا يربط بين أبحاث اليوم والآمال الكبيرة لإيجاد علاجات متقدمة تستهدف الحلقة نفسها وليس فقط جينات معينة.


آفاق وتحديات جديدة في علاج الأورام


استكمالاً لهذا الخط العلمي، لا تزال أسئلة عديدة تحيط بالموضوع. البحث المقبل سيتجه لدراسة كيف تتغير حلقات ecDNA عند استخدام أدوية مختلفة، وهل يمكن تتبع هذه التغيرات لمراقبة مراحل تطور الورم ومدى فاعلية العلاج. وهذا الاتجاه يعزز فكرة تصميم خطط علاجات موجهة بشكل فائق الدقة، تستهدف بنية الورم الجينية في مراحلها الأولى.

ذو صلة

وفي الوقت ذاته، يتفق مسؤولو مبادرة Cancer Grand Challenges على أن الغوص في أسرار ecDNA قد يقلب الموازين في تشخيص أورام الدماغ السرطانية، بفضل التقدم السريع في أدوات الذكاء الحسابي والتحليل الجيني. هذا التكامل بين علوم الطب والأحياء والمعلوماتية يفتح الباب أمام حقبة جديدة من الطب الشخصي، حيث يخطط الأطباء العلاجات بناءً على فحوص جزيئية متقدمة وفهم معمق لطفرات الورم من بدايته.

باختصار، كشفت الدراسة النقاب عن أن "حلقات" الحمض النووي الطفيلية ليست مجرد ضيوف سلبيين في الخلايا لاحقة التحول السرطاني، بل إن وجودها المبكر وتفاعلها مع جينات قوية مثل EGFR يجعلها محفزاً رئيسياً لولادة ونمو أخطر أورام الدماغ. هذا الاكتشاف الفريد يضع الأساس للنظر في إمكانية التشخيص المبكر والمراقبة المستمرة والعلاج الذكي الذي يحاصر الورم في مهده، آملاً في تغيير مستقبل مرضى الأرومة الدبقية لصالحهم.

ذو صلة