العلماء يدرسون “زرّ الموت” داخل خلايانا… لفهم الزهايمر والسرطان معًا

3 د
تتخذ الخلايا قرارات مصيرية مثل "الموت الخلوي المبرمج" للحفاظ على صحتها.
يشرح الباحثون ضرورة الموت الخلوي لمكافحة أمراض مثل الزهايمر والسرطان.
بروتينات "الانطواء المميت" تتحكم في تدمير الخلايا عند مواجهة خطر.
الباحثون يسعون لإيجاد مركبات تمنع تبلور البروتينات المميتة.
الهدف هو إعادة برمجة خلايا الجسم لتحسين العلاجات للأمراض المزمنة.
في عالم الأحياء الدقيقة، تجري يوميًا معارك حاسمة لا يراها الإنسان، حيث تتخذ الخلايا قرارات مصيرية عن الاستمرار أو الفناء. هذا القرار، المعروف علميًا باسم "الموت الخلوي المبرمج"، يلعب دورًا مزدوجًا في الصحة والمرض. فعندما تموت الخلايا بسرعة زائدة، كما في حالات الزهايمر، تضمر الأنسجة الحيوية، بينما يؤدي تأخرها عن الموت كما في السرطان إلى تكاثر خلايا خطيرة تهدد الجسم.
يشرح الباحث دوغلاس غرين من مستشفى سانت جود للأطفال أنّ «الموت الخلوي ليس حدثًا مأساويًا بقدر ما هو نظام أمان حيوي». فإبطاء تدهور الخلايا العصبية قد يمنح المرضى المصابين بألزهايمر أو باركنسون أملاً جديدًا، بينما تسريع موت الخلايا الورمية قد يفتح أبواب علاج أكثر فعالية للسرطان.
وهذا ما يدفع كثيرًا من العلماء إلى البحث عن وسائل كيميائية أو جينية تتحكم في ميل الخلايا إلى "الانتحار" المنظم.
أسرار بروتينات "الانطواء المميت"
أحد هؤلاء الباحثين هو راندال هالفمان من معهد ستاورز للأبحاث الطبية في كانساس، الذي كرّس عمله لدراسة خلايا المناعة التي تدمر نفسها فور اكتشاف خطر فيروسي أو بكتيري. يصف هالفمان هذه العملية قائلاً: «الخلايا تتصرف كما يفعل الجندي الذي يرتمي على القنبلة لإنقاذ الآخرين». مصدر هذه الآلية هو بروتينات داخلية غريبة تُعرف باسم بروتينات *الانطواء المميت*، إذ تنهار بنيتها عند مواجهة جزيئات معينة، ثم تبدأ في الارتباط ببروتينات منهارة أخرى لتشكيل سلاسل خيطية تُشبه البلورات تؤدي إلى تدمير الخلية بالكامل.
هذا يفتح الباب أمام تساؤل أكبر: من أين تأتي الطاقة الضخمة التي تشعل هذا التفاعل المتسلسل؟
يقول هالفمان إن الإجابة ظهرت بعد تشبيه بسيط بمُسخّنات اليد القابلة لإعادة الاستخدام، تلك التي تنتج الدفء بتبلور سائل مُشبع عند ثني قرص معدني صغير. الفكرة هي نفسها تقريبًا: اضطراب طفيف يولد طاقة كفيلة بإطلاق الانطواء المميت للبروتينات داخل الخلايا. وقد نشرت نتائج هذا التشبيه المدعوم بالأدلة في مجلة *eLife* العلمية، مؤكدة أن موت الخلية ينتج عن تحول طاقي شبيه بتبلور المواد.
وبالطبع، إذا كان هذا النظام ضروريًا لمكافحة العدوى، فإنه يصبح قاتلًا حين يُفعَّل من دون سبب، كما في أمراض التنكس العصبي.
من الزهايمر إلى العلاجات الجينية
تُظهر دراسات هالفمان أن الخطر لا يكمن فقط في وجود بروتينات الانطواء المميت، بل في ميلها إلى التشكل على غرار البروتينات المسببة لتراكم "الأميلويد" في أدمغة مرضى ألزهايمر. هذه الأخيرة تتكدس وتُحدث خللاً يشبه ما تفعله بروتينات الموت. لذلك يسعى الباحثون إلى إيجاد مركبات تمنع عملية التبلور هذه، وكأننا نضيف “مضاد تجمد” يمنع بروتينات الدماغ من التجمد القاتل الذي يؤدي إلى موت الخلايا العصبية.
وهنا يلتقي المسار العلمي بالعلاج الدوائي، إذ تعمل شركات التقنية الحيوية بالتوازي على تعطيل إشارات الاتصال الداخلية التي تقود عملية الموت الخلوي، باستخدام ما يُعرف بالعقاقير «اللاجينية» أو antisense drugs، وهي جزيئات تمنع الخلية من إنتاج البروتينات القاتلة من الأساس.
وهذا يربط بين الأبحاث المخبرية الطموحة وبين حلم الأطباء في تغيير كيفية اتخاذ الخلايا لقراراتها المصيرية.
في نهاية المطاف، يرى غرين وزملاؤه أن القدرة على إعادة برمجة "ساعة الحياة والموت" داخل الخلية قد تكون المفتاح لعلاج أمراض الشيخوخة والالتهاب وحتى بعض أنواع السرطان. وبينما يواصل العلماء فك شيفرة بروتينات الانطواء المميت، يبدو أننا نقترب أكثر من لحظة قد نستطيع فيها توجيه الخلية إلى الحياة حين يجب أن تعيش، والموت حين يكون الخلاص.









