غزو صامت: أنواع دخيلة تقتحم القطب الشمالي الكندي لأول مرة

3 د
اكتشف الباحثون نوعًا بحريًا غريبًا في القطب الشمالي الكندي لأول مرة.
استخدم العلماء تقنية الحمض النووي البيئي لتحليل عينات المياه.
تربط الدراسة الاكتشاف بزيادة حركة النقل البحري والتغير المناخي.
وجود البرنقيل الخليجي قد يؤثر على توازن النظام البيئي في القطب.
يحث الباحثون على تطوير نظم رصد مبكر لمواجهة الأنواع الغازية.
في تحول مثير لم تكن التوقعات تشير إلى حدوثه بهذه السرعة، كشف باحثون عن آثار حمض نووي تعود إلى نوع بحري غريب في مياه القطب الشمالي الكندي. هذا الإعلان أثار دهشة الأوساط العلمية لأنه يمثّل المرة الأولى التي يتم فيها رصد كائن دخيل في واحدة من أكثر البيئات عزلة على كوكب الأرض.
العثور على هذا “الدخيل البحري” لم يكن بالعين المجردة، بل من خلال تقنية حديثة تعرف بتحليل **الحمض النووي البيئي**، إذ جمع العلماء عشرات العينات من المياه الممتدة على طول الممر الشمالي الغربي. ما اكتشفوه هو وجود آثار واضحة للبرنقيل المعروف باسم **البرنقيل الخليجي**، وهو نوع صغير لكنه شديد الانتشار عالميًا وقد تسبب في أضرار بيئية واقتصادية واسعة في مناطق أخرى من العالم.
وهنا تبرز المشكلة الأكبر: إذا كان هذا النوع استطاع شق طريقه إلى المياه المتجمدة، فما الذي يمنع أنواعًا أخرى من الالتحاق به قريبًا؟
حركة السفن وتغير المناخ: معادلة خطِرة
يرتبط هذا الاكتشاف مباشرة بظاهرتين عالميتين خطيرتين: **الاحتباس الحراري** وازدياد **النقل البحري** في القطب. فحرارة القطب الشمالي ترتفع بمعدل يفوق المتوسط العالمي بأكثر من أربع مرات، وهو ما جعل الملاحة عبر الممرات الشمالية ممكنة لمدد أطول في العام. بالتوازي، شهدت حركة السفن التي تعبر الممر الشمالي الغربي زيادة تتجاوز 250% منذ تسعينيات القرن الماضي.
هذا الربط بين التبدلات البيئية القاسية وكثافة النشاط البشري يجعل من القطب الشمالي بوابة مفتوحة أمام الكائنات الغازية. السفن قد تحملها عبر مياه التوازن أو ببساطة على هياكلها المعدنية التي تعد بيئة مثالية لتعلق الكائنات المائية.
صحة النظام البيئي على المحك
وجود **البرنقيل الخليجي** ليس تفصيلًا عابرًا. ففي مناطق عديدة من العالم تسبب هذا الكائن في تعطيل أنظمة بيئية كاملة؛ إذ يزاحم الكائنات المحلية، يسد الأنابيب، ويلحق أضرارًا بمزارع الأسماك. وإذا حدث ذلك في القطب الشمالي، حيث السلسلة الغذائية حساسة جدًا وتعتمد على استقرار التوازن بين العوالق والأسماك والثدييات البحرية، فقد نشهد تغييرات متسارعة تمس حتى الحيوانات الكبيرة مثل الحيتان والدببة القطبية.
وما يزيد الوضع تعقيدًا هو **ندرة الدراسات** الميدانية الشاملة حول التنوع البيولوجي البحري في المنطقة، ما يجعل من الصعب معرفة إن كان البرنقيل قد استقر فعلًا أو أنه مجرد ضيف عابر.
ومن هنا نفهم كيف تتقاطع قضية صغيرة ظاهريًا مع مصير بيئي واسع، فهي تعكس هشاشة النظام الطبيعي أمام ضغوط التغير المناخي والتوسع البشري.
دعوة للاستعداد المبكر
الباحثون شددوا في دراستهم المنشورة على أهمية استحداث نظم رصد مبكر تعتمد على الحمض النووي البيئي، بجانب إشراك المجتمعات المحلية في عملية المراقبة، وكذلك تشديد اللوائح المنظمة لتصريف مياه التوازن من السفن. هذه الإجراءات يمكن أن تكون خط الدفاع الوحيد قبل أن تتحول الأنواع الغازية إلى واقع يستحيل السيطرة عليه.
الخلاصة أن هذه العلامة البيولوجية الصغيرة ليست مجرد خبر علمي بل جرس إنذار بيئي. فكل مؤشر جديد في القطب الشمالي يؤكد أن التغير الذي نشهده ليس بطيئًا أو بعيد الأثر كما كان يتوقع البعض، بل حاضر ومتسارع ويحتاج إلى استجابة عاجلة.









