ذكاء اصطناعي

علماء يكشفون حصنًا خفيًا من العصر البرونزي باستخدام طائرات مسيّرة

محمد كمال
محمد كمال

3 د

كشف علماء آثار عن حصن ضخم عمره 3 آلاف عام في القوقاز باستخدام الطائرات المسيّرة.

الحصن يتضمن جدرانًا دفاعية ممتدة لأكثر من كيلومتر، مما يجعله من أكبر التحصينات.

الموقع كان يستخدم لأنشطة موسمية مرتبطة بالمجموعات الرعوية والزراعة والتجارة.

التقنيات الحديثة والقديمة، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية، تسهم في فهم الموقع.

من المتوقع العثور على عشرات آلاف اللقى الأثرية التي ستعيد رسم صورة الحياة القديمة.

في مشهد يقترب من الأساطير أكثر منه من الواقع، تمكن علماء آثار من رصد حصن مخفي هائل وسط جبال وعرة في جنوب القوقاز بفضل تقنية الطائرات المسيّرة. المفاجأة لم تكن في العثور على الموقع فقط، بل في حجمه الذي تبين أنه يفوق كل التوقعات بمساحة تضاهي مدينة كاملة.

منذ مسح أولي أجراه الباحثون سيراً على الأقدام عام 2018، بدا الموقع مجرد بقايا لجدران متفرقة، لكن استخدام آلاف الصور الجوية الملتقطة بالطائرات المسيّرة، والمجدولة رقمياً ضمن نماذج طبوغرافية عالية الدقة، أعاد رسم المشهد بأبعاد مذهلة. وهنا يبرز الرابط المباشر: ما بدا لسنوات أطلالاً متواضعة اتضح أنه مجمع دفاعي بالغ الاتساع يعود إلى أواخر العصر البرونزي وبداية العصر الحديدي.

التحليل أظهر أن الحصن يضم جدارين دفاعيين داخلياً وخارجياً، بنيّا من صخور ضخمة متماسكة بمونة قوية، بحيث تبلغ سماكة الجدار الواحد نحو مترين. الجدار الخارجي وحده يمتد لمسافة تتجاوز الكيلومتر، محيطاً بمساحة استثنائية تؤهله ليكون من أكبر التحصينات المكتشفة إقليمياً حتى الآن. الانتقال من الكشف عن الجدران إلى دراسة ما بداخلها، كشف للعلماء بيئة معقدة من مبانٍ حجرية ومناطق مفتوحة يبدو أنها استخدمت في فترات مختلفة.

وبينما عُثر في المركز الداخلي على أدوات وفخاريات متعددة، كان القسم الخارجي أقل ثراء بالاكتشافات، ما يوحي أن الموقع كان يحتضن أنشطة موسمية مرتبطة بمجموعات رعوية تعود في مواسم معينة مع قطعانها. وهنا يكتمل المشهد التاريخي: قلعة ليست مجرد تحصين عسكري بل محطة استراتيجية للزراعة والتنقل والتبادل.

لم يقتصر الأمر على الطائرات المسيّرة، بل استعان الفريق بصور التقطتها أقمار صناعية أمريكية خلال الحرب الباردة، فُكّ الحظر عنها في 2013. هذه الأرشيفات سمحت بمقارنة التغيرات في الموقع عبر عقود، ما أعطى بُعداً زمنياً إضافياً لفهم التحولات في استخدام الأرض. امتزاج هذه الأدلة الحديثة والقديمة يبين كيف يمكن للتكنولوجيا أن تعيد رسم الخريطة الأثرية وتفتح نوافذ جديدة على الماضي.

والخيط الرابط هنا أن الاستفادة من الذكاء التقني المعاصر إلى جانب موارد قديمة مهملة يمنح الباحثين منظوراً أكثر شمولاً، وهو نهج بات أساسياً في علم الآثار الحديث.

رغم أن التنقيب ما زال في بدايته، يتوقع العلماء العثور على عشرات آلاف اللقى الأثرية، من شظايا فخارية وعظام حيوانات إلى أدوات زراعية وأوانٍ يومية. هذه الشواهد ستساعد في إعادة رسم صورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية: كيف عاش السكان؟ ماذا زرعوا؟ وهل كانت القلعة مدينة مركزية أم ملتقى قبائل ومجتمعات متنقلة؟

ذو صلة

وهذا يربط بُعد الاكتشاف مع معضلة أكبر تشغل الباحثين اليوم: هل كانت تلك التحصينات نتاج تخطيط مركزي لقوة سياسية منظمة أم ثمرة تراكم تدريجي لسكان تجمعوا عبر الزمن؟

في الخلاصة، يظهر الحصن الضخم المكتشف في أعالي القوقاز كرسالة تاريخية مذهلة تكسر الصور النمطية عن المجتمعات القديمة. إنه يبيّن كيف يمكن للإنسان أن يشيّد مدناً محصنة بقدرات هندسية مبهرة قبل آلاف السنين، وأن التكنولوجيا الحديثة قادرة على إعادة تعريف فهمنا للجغرافيا البشرية والحضارية في تلك الحقبة.

ذو صلة