ذكاء اصطناعي

لا تعود إلى أي أصل بشري معروف.. جمجمة عمرها 300 ألف سنة بملامح متضاربة

فريق العمل
فريق العمل

3 د

عُثر على جمجمة بشرية عمرها 300 ألف عام في قرية مابا، الصين.

يحيِّر الاكتشاف العلماء بسبب سمات غير معتادة مقارنة بالنياندرتال والهومو إيريكتوس.

تشبه الجمجمة بعض الاكتشافات الأفريقية لكن لا تُصنّف بوضوح تحت فئة بشرية معروفة.

يؤكد الاكتشاف التنوع الواسع بين الأسلاف البشريين ويشجّع على مزيد من الأبحاث.

لطالما كانت الأرض من حولنا مصدرًا لمفاجآت مدهشة وقصص تروي حكايات الماضي السحيق. وهو ما حصل بالضبط مع مجموعة من المزارعين الصينيين قبل عقود عدة، حين عثروا بالصدفة على جمجمة بشرية غريبة المعالم يعود عمرها لنحو 300 ألف عام. هذا الاكتشاف المحير فتح سؤالًا كبيرًا بين علماء الأنثروبولوجيا: إن لم تكن هذه الجمجمة لإنسان نياندرتال، فهي إذًا تنتمي لمن؟ وما هو سر اختلافها عما عهدناه سابقًا؟

في عام 1958، كان مزارعون قرب قرية مابا الصينية في مدينة شاوجوان يعملون في كهف جيري لاستخراج مخلفات الخفافيش لاستخدامها كسماد، لتقودهم المصادفة إلى الكشف عن بقايا أحفورية اعتقدوا في البداية أنّها مجرد عظام حيوانية. لكن الخبراء أكّدوا سريعًا أنها عبارة عن شظايا من جمجمة تعود لأحد أسلافنا القدامى. حملت هذه القطعة اسم "مابا 1" وأصبح تحديد أصلها تحديًا علميًا فريدًا من نوعه.

لم تتوقف صعوبة الفهم عند مجرد تحديد عمر الجمجمة، والتي تعود إلى حقبة تعرف بـ"البلاستوسين الأوسط"، قبل نحو 300 ألف سنة. المشكلة كانت أكبر، إذ تحمل الجمجمة مزيجًا من الملامح المتضاربة. في البداية ظن العلماء أنها تخص النياندرتال، بسبب وجهها الشبيه بذلك النوع الشهير من الهومينين، إلا أنّ دراسات حديثة أظهرت تباينًا غريبًا بين ملامح وجهها الخارجي وتركيب دماغها الداخلي، الأمر الذي حيّر العلماء حتى يومنا هذا.

وهذا أنتج أسئلةً أكبر من إجابات واضحة، مما دفع مؤخرًا مجموعة من الباحثين لاستخدام تقنية متقدمة تُعرف باسم الأشعة المقطعية الدقيقة "micro-CT scan"، والتي تُمكّن العلماء من استكشاف البنية الداخلية لعظام الجمجمة دون الإضرار بها. نتائج هذه الفحوص كشفت بوضوح أن شرايين الدم داخل الجمجمة لدى "مابا 1" كانت مختلفة بشكل ملحوظ عن تلك الموجودة لدى النياندرتال، كما تبيّن أن التكوين الداخلي يبدو شبيهًا إلى حد كبير بـ"الهومو إيريكتوس" (الإنسان المنتصب)، وهو سلف أقدم من النياندرتال والبشر المعاصرين، لكن دماغ "مابا 1" أكبر حجماً وأكثر تطورًا بين الاثنين.

وهذا الاكتشاف زاد من الغموض بدلًا من أن يحله: فعلى رغم السمات الشبيهة بالإنسان المنتصب، كانت هناك اختلافات واضحة لا يمكن تجاوزها. الجمجمة كانت أكثر سمكًا وأقصر في المقدمة، كما أظهرت علامات واضحة على إصابة رضّية تعرض لها الشخص في حياته، برغم عدم ظهور أي علامات للعدوى. ذلك يعني أنه عاش بعد الإصابة، لكن سبب الإصابة الفعلي غير واضح وقد يكون بسبب سقوط أو مرض أو حتى ورم قديم.

لكن النتائج الأخيرة من الدراسة أضافت بعدًا مثيرًا آخر، حين لاحظ الباحثون أن ملامح "مابا 1" تشبه بعض الاكتشافات الجدلية الأخرى مثل جمجمة LH18 من تنزانيا، التي تُعتقد أنها تخص أسلاف البشر الأوائل، وكذلك جمجمة جبل إرحود المغربية، التي كانت قد نسبت في الماضي إلى النياندرتال قبل أن يعاد نسبها لـ"الهومو سابينس" الأوائل، بالإضافة إلى جمجمة "بروكن هيل" الزامبية التي تنتمي لإنسان "هايدلبرغ"، مما جعل حالة الجمجمة غاية في التعقيد بين العلماء.

ذو صلة

وبالنتيجة، توصل الباحثون إلى استنتاج واحد لا يختلف عليه الجميع: الجمجمة التي وجدوها في "مابا" الصينية لا يمكن اليوم تصنيفها تحت أي من الأنواع البشرية المعروفة بشكل قاطع. إن مثل هذه الاكتشافات تعيد تذكيرنا دوماً بالتنوع الهائل الذي عاشه أسلافنا القدماء، وتسلط الضوء على المدى الكبير لأوجه الاختلاف والتشابه التي سادت بين مختلف الأنواع والأنساب البشرية في عصور ما قبل التاريخ.

ولعل ما يمكننا إضفاءه من تحسين على رحلة استكشافنا لهذا اللغز التاريخي الهام، هو الاستمرار في البحث بمزيد من التفصيل والتوسّع بتطبيق تقنيات متنوعة للتحليل والفحص، وتقديم تفسيرات أكثر انسجامًا مع السياقات التاريخية والجغرافية.

ذو صلة