ذكاء اصطناعي

من “جعل أمريكا عظيمة مجددًا” إلى الملكية: كيف يعمل مليارديرات التكنولوجيا على هندسة الاستبداد الأمريكي

فريق العمل
فريق العمل

4 د

تسعى الأوليغارشية التكنولوجية إلى تقويض الديمقراطية واستبدالها بحكم سلطوي يخدم النخبة.

تهدف خطة "بروجيكت 2025" إلى تركيز السلطة والثروة في يد عدد قليل من المليارديرات والتكنوقراط.

الشعبوية التي يروج لها التيار اليميني ليست سوى واجهة لتكريس الحكم الأوليغارشي.

يتطلب التصدي لهذا التحول وعيًا سياسيًا، ومشاركة مدنية، وضغطًا جماهيريًا على المسؤولين.

لطالما كان توماس بين، الأب الروحي للثورة الأمريكية، معارضًا للملكية البريطانية وداعمًا لاستقلال أمريكا. واليوم، نعيش في حقبة ثورية جديدة، لكنها تتحرك في الاتجاه المعاكس: العودة إلى حكم ملكي، ليس بشكله التقليدي، ولكن من خلال رئيس تنفيذي قوي محاطٍ بأوليغارشيين أثرياء ومخلصين. كانت كتابات بين تعليمية ومؤثرة في تشكيل الرأي العام، وفي عصر ترامب، يحتاج الأمريكيون بشدة إلى إعادة قراءة منشوراته "الفطرة السليمة".


الفلسفة السياسية للملكية التكنولوجية

كورتيس يارفين هو أحد دعاة الملكية الحديثة، وهو أيضًا الفيلسوف السياسي لملياردير التكنولوجيا بيتر ثيل. ما كان يُعتبر في السابق أفكارًا هامشية أصبح اليوم في قلب المشهد السياسي، مختبئًا تحت عباءة الشعبوية التي يروج لها تيار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" (MAGA). لكن الحقيقة أن أفكار يارفين تتناقض تمامًا مع الشعبوية، إذ تدعو إلى تركيز السلطة والثروة بين أيدي قلة من التكنوقراط والأوليغارشيين.

يرى يارفين أن الديمقراطية نظام فاشل، ويعتقد أن البلاد يجب أن تُدار على غرار الملكية أو حتى الديكتاتورية، لكن في شكلٍ يجمع بين الملكية والكليبتوقراطية—أي نظام يُستغل فيه النفوذ السياسي لاستخلاص الثروة من الشعب لصالح قلة حاكمة.

لم يقتصر الأمر على يارفين وثيل، بل انضم إليهما إيلون ماسك وغيره من المليارديرات التكنولوجيين، الذين يدفعون بأيديولوجيتهم الخاصة إلى الواجهة عبر شخصيات مثل جي دي فانس، السيناتور الجمهوري وصديق ثيل المقرب. وكما أوردت صحيفة ذا فيرج، صرّح فانس بأن ترامب، في حال إعادة انتخابه، يجب أن "يطرد كل البيروقراطيين الحكوميين ويستبدلهم بأشخاص موالين له، وحينما تعارضه المحاكم، يعلن ببساطة: القاضي أصدر حكمه، فلينفذه إن استطاع!".

هذا بالضبط ما نراه يحدث الآن: تفكيك الدولة الإدارية عبر تطهير الجهاز الحكومي من الموظفين غير الموالين، ومن ثم تجاوز الأحكام القضائية متى كانت تعارض مصالح النخبة.


خطة "بروجيكت 2025": إعادة تشكيل الحكومة لصالح الأوليغارشية

تتجلى هذه التوجهات بوضوح في خطة "بروجيكت 2025"، التي تشمل سياسات من شأنها تركيز الثروة والسلطة في أيدي القلة، دون أي منفعة للمواطنين العاديين، ومن بين هذه السياسات:

  • إعادة تصنيف 50,000 موظف حكومي كـ"موظفين تحت الطلب" يمكن فصلهم بسهولة.
  • إلغاء الوكالات التنظيمية المستقلة التي تراقب الأسواق المالية.
  • تقويض أو إلغاء "مكتب حماية المستهلك المالي".
  • تخفيف قوانين مكافحة الاحتكار لصالح الشركات الكبرى.
  • استهداف الهيئات الرقابية التي تمنع التلاعب بالسوق.

من يظن أن هذه السياسات تهدف إلى محاربة الفساد وتقليل الإنفاق الحكومي فهو مخطئ. إنها تهدف إلى ترسيخ نظام سلطوي تكنوقراطي حيث يسيطر المليارديرات على الاقتصاد والحكومة دون أي رقابة.


"أخذون" و"مأخوذون": صراع الطبقات في أمريكا الجديدة

الكاتب المسرحي لورين هانزبيري قال ذات مرة في مسرحيته "زبيبة في الشمس": "هناك نوعان من البشر: الأخذون والمأخوذون". في السياق الأمريكي الحديث، "الأخذون" هم الأوليغارشيون الجدد الذين يزدادون ثراءً، بينما "المأخوذون" هم العمال والفقراء الذين يتحملون تكلفة هذه السياسات.

جي دي فانس، التلميذ المخلص لبيتر ثيل، جزء من هذه المعادلة، في حين يلعب دونالد ترامب دور الواجهة الشعبوية لهذا المشروع الضخم. لكنه ليس شعبويًا حقيقيًا، بل يسعى فقط لزيادة ثروته ونفوذه، حتى لو كان ذلك على حساب مؤيديه.


المسيحية المتشددة كغطاء أيديولوجي

يُشار إلى "بروجيكت 2025" على أنها خطة قومية مسيحية، حيث يسعى فانس وبعض المحافظين الكاثوليك المتشددين إلى تقليص الفصل بين الدين والدولة، وجعل الحكومة تُدار وفق قيم دينية صارمة. لكن هذه القيم يتم انتقاؤها بعناية، إذ لا تشمل مثلاً رعاية الفقراء أو دعم حقوق المرأة أو مجتمع الميم، بل تركز على فرض سلوكيات اجتماعية محافظة. هذه التحالفات تخدم الأوليغارشية، لكنها تُبقي الجماهير منشغلة بمعارك ثقافية لا تخدم مصالحهم الحقيقية.


المعركة الحقيقية: الحرية مقابل الاستبداد التكنولوجي

ذو صلة

المهاجرون ليسوا المشكلة، ولا التنوع الثقافي والعرقي، بل الصراع الحقيقي يكمن في الفجوة الاقتصادية المتزايدة بين الطبقات. يمتلك أغنى ثلاثة أمريكيين ثروة تفوق ما يملكه نصف السكان مجتمعين، فيما يسيطر 1% من السكان على 32% من ثروات البلاد.

إذا كنت تؤمن بالمبادئ الديمقراطية التي وضعها المؤسسون الأوائل، فعليك أن تدرك أن النظام الجمهوري يعتمد على سلطة الشعب، وليس سلطة الأوليغارشية. بغض النظر عن انتمائك السياسي، لن تستفيد من هذا التحول الاستبدادي إلا إذا كنت من ضمن النخبة التي تشكل 1% من المجتمع.

ذو صلة