ذكاء اصطناعي

أسرع من أي شيء رُصد من قبل… العلماء يقيسون لأول مرة سرعة تشابك كمي مذهلة

أسرع من أي شيء رُصد من قبل… العلماء يقيسون لأول مرة سرعة تشابك كمي مذهلة
فريق العمل
فريق العمل

3 د

نجح فريق بحثي دولي في قياس سرعة "التشابك الكمي" للمرة الأولى في التاريخ.

استخدم العلماء تقنيات قياس "الأتوثانية" لمتابعة حركة الإلكترونات بدقة غير مسبوقة.

يصف التشابك الكمي وجود علاقة بين جسيمين يؤثر كل منهما على الآخر فوراً.

يمهد هذا الاكتشاف الطريق لتطوير تقنيات جديدة في الاتصالات والحوسبة الكمومية.

قد يسهم الإنجاز في ثورة تقنية لحماية البيانات عبر التشفير الكمي المتقدم.

في إنجاز علمي مذهل قد يعيد تشكيل فهمنا للواقع، تمكن فريق بحثي دولي من قياس سرعة "التشابك الكمي" لأول مرة في التاريخ، وهو ما يعد نقلة نوعية قد تفتح آفاقًا واسعة في تقنيات المستقبل، وتغير قواعد اللعبة في مجالات الاتصالات وحماية البيانات.

ما يجعل الخبر مميزًا فعلاً هو دقة القياسات التي اعتمد عليها الفريق باستخدام ما يُعرف بقياسات "الأتوثانية" التي تبدو للوهلة الأولى مصطلحاً معقداً، لكن لنبسط ذلك قليلاً: في زمن الأتوثانية، ينتقل الضوء ما يعادل سماكة شعرة إنسان. هذه الدقة الخارقة أتاحت للباحثين متابعة حركة الإلكترونات بوضوح غير مسبوق، ليشهدوا كيف يحدث التشابك بين الجسيمات بشكل مباشر.

وهذا الربط المدهش بين الجسيمات الكمية - أو "التشابك" - هو في الأساس ظاهرة حيّرت العلماء لعقود طويلة، وتصف وجود علاقة تربط بين جسيمين، فإذا تم تغيير وضعية أحدهما، يتأثر الآخر تلقائيًا مهما كانت المسافة بينهما. الفكرة بحد ذاتها تبدو خيالية، وقد استثمر العلماء مؤخراً هذه الظاهرة نظرياً في أفكار شديدة الإثارة، كالنقل الكمي للمعلومات (أو التيلبورت)، الذي قد يغير نمط اتصالات المستقبل بصورة جذرية.

ولتوضيح هذه الظاهرة بشكل عملي، قام فريق البحث بقيادة البروفيسور يواخيم بورغدورفر والبروفيسورة إيفا بريزينوفا، بالاستعانة بليزرات فائقة التردد لإنتاج فيضٍ من الإلكترونات المتشابكة في بيئة محكمة. وعبر انتزاع إلكترون من ذرته وربطه بإلكترون آخر، تمكن العلماء من متابعة تفاصيل دقيقة لكيفية حدوث التفاعل الكمي، والذي لا يخضع لقواعد الفيزياء التقليدية، وهو ما دفع بورغدورفر إلى القول بأن الاكتشاف "يتحدى أفكارنا حول الهوية والفردية في العالم الكمي".

ولكي تكون الصورة أوضح، فقد استخدم الفريق تقنيات علمية متطورة تسمى "رصد التداخل ثنائي الفوتون بطريقة RABBIT"، وأسلوب "الأتوثانية" شديد الدقة لقياس الزمن الصفري لعملية التفاعل بين الجسيمات. النتيجة المثيرة كانت رصد اختلاف زمني قدره 232 أتوثانية فقط، وهو ما يمثل منجزًا جديدًا في دقة قياسات فيزياء الكم، ونافذة جديدة لفهم طبيعة الزمن في العمليات الكمية.

ولهذا الإنجاز أبعاد عملية كبيرة قد تغيّر واقعنا التقني. فما يدعو العلماء للحماس هو أن التحكم الدقيق في هذه العمليات سيساعدهم مستقبلًا على تطوير تقنيات جديدة كلياً في مجالات الاتصالات والحوسبة الكمومية. ومن المتوقع أن تؤدي هذه التكنولوجيا الجديدة لثورة في حماية بياناتنا الإلكترونية من الاختراق، عبر تشفير كمي لا يمكن اختراقه من طرف ثالث، بحسب قول البروفيسورة بريزينوفا.

ولا تقتصر الفرص الواعدة على أمن البيانات وحده، بل تمتد لتشمل عالم الحوسبة والذكاء الاصطناعي والاتصالات العالمية. فالحواسيب الكمومية الجديدة التي ستستفيد من استغلال ظاهرة التشابك ستكون أقدر بكثير على إجراء حسابات معقدة بسرعات خيالية. هذه القفزات النوعية قد تفتح الباب قريبًا لوسائل تقنية كنا نعتبرها خيالاً شبيهة بروايات الخيال العلمي، لكنها اليوم أقرب إلى الواقع من أي وقت مضى.

مع كل هذا الحماس والاكتشافات غير المسبوقة، تبقى هذه مجرد البداية. فالعلماء عازمون على متابعة أبحاثهم وتعميق دراستهم لهذه الظاهرة، بهدف الانتقال من الكشف النظري إلى التطبيقات العملية التي نستفيد منها جميعاً.

ذو صلة

ويمكن القول بثقة إن قياس سرعة التشابك الكمي، بهذا المستوى من الدقة والأهمية، هو خطوة كبرى قد تمهّد الطريق أمام تقنيات كميّة مذهلة عما قريب. وفي الأعوام المقبلة، قد يصبح استغلال خصائص الكم في حياتنا اليومية أمراً واقعاً، وفرصة لتقديم تقنيات جديدة تُسرع من نقل المعلومات وتحمي بياناتنا الرقمية بشكل مثالي.

تبدو الرحلة نحو هذا المستقبل المشرق مثيرةً فعلاً، ورغم خصوصية التفاصيل العلمية وصعوبة بعض مصطلحاتها، يبقى اكتشاف اليوم بوابةً لفهمٍ جديد وعميق لعالمنا، لنرى كيف يمكن للكون نفسه أن يغير مفهومنا التقليدي عن المسافات وسرعة التواصل بين أرجائه.

ذو صلة