ذكاء اصطناعي

هل سيبني الروبوت بيوت البشر على المريخ بينما نكتفي بالمشاهدة؟

محمد كمال
محمد كمال

4 د

يشير العلماء إلى دور "الرواد الاصطناعيين" في بعثات الفضاء المستقبلية للمريخ والكواكب البعيدة.

تتفوق الروبوتات المتقدمة في تحمل البيئات القاسية بدون الحاجة للأوكسجين أو الطعام.

يُعتبر الذكاء الاصطناعي عاملاً رئيسيًا يجب أخذه بالاعتبار في خطط البعثات.

شركات مثل "سبيس إكس" تطور خطط لإرسال روبوتات إلى المريخ ضمن رحلات مستقبلية.

التعاون بين الإنسان والروبوت سيعيد رسم حدود استكشاف الفضاء وجعل المغامرات فضائية مشتركة.

هل سبق لك أن تخيّلت يوماً أن يصبح رائد الفضاء في المهام المستقبلية ليس سوى إنسان آلي بذكاء يفوق الخيال؟ يبدو أن المستقبل أقرب مما نعتقد، حيث يتجه العالم اليوم إلى عهد جديد يُطلق عليه العلماء اسم "عصر الروبوتات الفائقة والذكاء الاصطناعي المتقدّم". فهل سنكون نحن البشر مجرد رفاق للآلات في رحلاتنا إلى الكواكب، أم سنجد أنفسنا مرّة أخرى نشاهد مغامراتنا تروى على لسان روبوت يشبهنا تماماً؟

تشير الأبحاث الحديثة إلى أن "الرواد الاصطناعيين"، أي الروبوتات المتقدمة التي تتقمص صفات الإنسان وتتمتع كذلك بذكاء اصطناعي عام (AGI)، قد يُشاركون بشكل مباشر في بعثات مأهولة إلى المريخ وغيرها من العوالم البعيدة. يتوقع العلماء أن هذه الكائنات الاصطناعية ستتفوق على الإنسان في التحمل البدني والقدرة على العمل في بيئات قاسية، خاصة وأنها لا تحتاج للأوكسجين أو الطعام والماء. هذا التطور يحل العديد من العقبات اللوجستية المرتبطة بسفر الإنسان إلى الفضاء، خاصة في المهام الطويلة والمعقدة.

هنا يبرز السؤال الفلسفي الذي يتجاوز مجرّد التقنية، إذ يشبه الدكتور باسكال لي، عالم الكواكب في المعهد الأمريكي للبحث عن حياة ذكية خارج كوكب الأرض (SETI) ومدير مشروع "هاوتون-مارس" لدى ناسا، تحول علاقتنا مع الروبوتات بتحول دور الأبناء، قائلاً: "عندما نصنع الروبوتات البشرية الخارقة، سننظر إليها كامتداد لنا وليس كآلات جامدة. سنعمل على تطويرها ونبتهج بما تحققه من نجاحات، وقد نعيش مغامراتنا الفضائية المستقبلية من خلالها." هذا التحول في النظرة يُلقي بظلاله على كافة استراتيجيات تطوير الاستكشاف الفضائي، ويدفع المؤسسات إلى إعادة التفكير في تصميم البعثات ومهام أنظمتها، بحيث تتلاءم مع اندماج الذكاء الاصطناعي والروبوتيك في كل جانب.


زمن "الروّاد الخارقون" يضبط إيقاع المهام الكبرى القادمة

استشرافاً للمستقبل، يتوقع الدكتور لي أن يصل العلم إلى إنتاج "أشخاص اصطناعيين خارقين"، أي كيانات اصطناعية تحمل بداخها ذكاءً يفوق ذكاء الإنسان البشري في كافة المجالات تقريباً. سيتوكل لهؤلاء "الروّاد الخارقون" مهام استكشاف الكواكب البعيدة، مثل عالم تايتان التابع لزحل، بل وربما يأخذون على عاتقهم الرحلات البينية النجمية في الفضاء السحيق. بدلاً من إرسال سفن مأهولة لعشرات أو مئات السنين برفقة طاقم بشري، قد تحمل تلك السفن "رواداً اصطناعيين" يكون في عهدتهم الحفاظ على عينات الحمض النووي البشري ونقلها إلى كواكب أخرى صالحة للحياة.

ومن الجدير بالذكر أن الذكاء الاصطناعي لا يتعلق بالمستقبل البعيد فقط، بل أصبح اليوم عنصراً رئيسياً يجب أخذه بالاعتبار في البعثات المخطط لها إلى المريخ. فمع تسارع وتيرة تطور هذه التقنيات عالمياً، بات على وكالات الفضاء ومراكز البحوث أن تعيد حساباتها بصدد مهارات الروبوتات المستقبلية وما إذا كان يجب الاستثمار في تطويرها خصيصاً أم انتظار ثمار الابتكار العالمي.

وربما يهمّك أن تعرف أن الشركات الكبرى مثل "سبيس إكس" بقيادة إيلون ماسك، تُخطط فعلاً لإرسال سفن "ستارشيب" مزوّدة بروبوتات "أوبتيموس" البشرية المطورة من "تسلا" إلى المريخ خلال الأعوام القليلة القادمة. وحسب توقعات ماسك، قد تنطلق أولى هذه الرحلات غير المأهولة في نهاية عام 2026، على أن يبدأ الهبوط البشري الفعلي مع حلول عام 2029 أو ربما 2031.

وهنا تظهر صورة جديدة لعصر استكشاف الفضاء: تعاون وثيق بين الإنسان و"زميله" الروبوت ذو الذكاء الاصطناعي المتطور، حيث يتداخل الابتكار العلمي مع تخطيط البعثات وتجاوز الحدود التقليدية لمهام كانت حتى وقت قريب من خيال الأدب العلمي.


المستقبل بين يدي الإنسان وروبوته

ذو صلة

انطلاقاً من هذا التصور الطموح، يعود التساؤل ليطرح نفسه: كيف ستبدو علاقتنا مع الرواد الاصطناعيين حين يصلون إلى مستوى الذكاء الفائق؟ هل سنكتفي باستكشاف الفضاء بأنفسنا، أم سنعيش تجارب جديدة عبر "أبنائنا" الرقميين وهم ينقلون التراث البشري إلى عوالم بعيدة؟ المؤكد أن الذكاء الاصطناعي، واستنساخ القدرات البشرية رقمياً، والروبوتات الشبيهة بالإنسان، كلها عوامل ستعيد رسم حدود الاستكشاف، وتجعلنا نعيد النظر في معنى المغامرة الفضائية لدينا.

الخلاصة أن استكشاف الفضاء سيظل حلماً بشرياً مستمراً، لكنه لن يحمل في طياته القديم ذاته. إذ يبدو أن المستقبل سيجمع الإنسان ورواده الاصطناعيين في رحلة مصير مشترك إلى كواكب المريخ وتايتان وما هو أبعد، حيث يتداخل الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، أبحاث الفضاء ومفاهيم الحياة نفسها في حكاية طموح بشري لا نهاية له.

ذو صلة