طول العمر ليس صدفة… إنه هدية وراثية خفية من الآباء للأبناء

3 د
كشف باحثون عن آلية جديدة لانتقال صفات العمر الطويل في دودة *C.
elegans* دون تغيير الجينات.
التغييرات في الأيض داخل الليسوسومات تتحول لإشارات تُنقل من الخلايا الجسدية للتناسلية عبر الهيستونات.
الوراثة اللاجينية وتغيراتها الكيميائية قد تترك بصمة عبر الأجيال اللاحقة.
البروفيسورة منغ وانغ: الوراثة لا تقتصر على النواة، والبيئة تؤثر على صحة الأجيال القادمة.
في خطوة علمية مثيرة، كشف باحثون في معهد **HHMI Janelia Research Campus** عن آلية جديدة تمكّن بعض الكائنات من نقل صفات مرتبطة بطول العمر عبر الأجيال، من دون حدوث أي تغيير في الحمض النووي نفسه. الدراسة التي أُجريت على الدودة الشهيرة *C. elegans* أظهرت أن التغييرات في الأيض داخل **الليسوسومات** – وهي بمثابة مراكز إعادة التدوير في الخلية – يمكن أن تُترجم إلى إشارات تنتقل من الخلايا الجسدية إلى الخلايا التناسلية عبر بروتينات تُسمى **الهيستونات**، لتبقى مطبوعة في الأجيال التالية.
وهذا يفتح الباب أمام فهم جديد لمعنى **الوراثة اللاجينية** وكيف يمكن للبيئة أن تترك بصمتها عبر السلالة.
كيف بدأت القصة؟
الفريق البحثي بقيادة البروفيسورة **منغ وانغ** تمكّن من إطالة عمر دودة *C. elegans* بنسبة وصلت إلى 60 في المئة عبر تنشيط إنزيم معين داخل الليسوسومات. المدهش أن أحفاد هذه الديدان، الذين لم يحملوا التعديل الجيني نفسه، عاشوا هم أيضاً لفترة أطول من الديدان الطبيعية. هنا بدأ التساؤل: كيف انتقلت هذه الفائدة من دون تعديل على الشيفرة الوراثية نفسها؟
ومن هذه النقطة تحولت الأنظار إلى دور المعلومات الكيميائية التي ترافق الجينات، والمعروفة باسم التعديلات اللاجينية.
الهيستونات كرسل وراثية جديدة
أوضحت النتائج أن الهيستونات – وهي البروتينات التي تلتف حولها خيوط DNA – يمكنها أن تحمل **تعديلات كيميائية** ناتجة عن نشاط الليسوسومات. هذه التعديلات تُنقل مع الهيستونات من الخلايا العامة في الجسم إلى البويضات، فتصبح جزءاً من الخريطة اللاجينية المنقولة من جيل إلى آخر. بهذه الطريقة تنتقل معلومة طول العمر عبر ما يشبه “ذاكرة خلوية” تحفظها الأنساب.
وهذا يربط بين ظاهرة الصيام، المعروفة بتأثيرها على التمثيل الغذائي، والتغيرات اللاجينية التي ترسخ في السلالة، ما يجعل المعادلة أكثر واقعية وقرباً من الحياة اليومية.
أوسع من مسألة طول العمر
الأثر لا يقتصر على فهم سر الحياة المديدة، بل يمتد إلى تفسير كيف يمكن لعوامل مثل **المجاعة**، **التغذية**، أو حتى **الضغوط البيئية** أن تترك بصمة على الأجيال التالية. فقد أثبتت التجارب أن قناة التواصل بين الخلايا الجسدية والتناسلية، عبر الهيستونات المعدلة، قد تكون مفتاحاً لفهم كثير من الظواهر مثل أثر سوء التغذية عند الآباء على صحة الأبناء.
هذا يكشف أن الليسوسومات ليست مجرد مراكز للتخلص من المخلفات كما كنا نظن، بل أيضاً مراكز إرسال إشارات قادرة على تشكيل مصائر مستقبلية.
نحو إعادة تعريف الوراثة
البروفيسورة وانغ لخّصت المعنى بقولها: "كنا نعتقد أن الموروثات محصورة داخل النواة، لكننا الآن ندرك أن الهيستونات تتحرك بين أماكن مختلفة ناقلةً معلومات أعمق." هذه الرؤية قد تغيّر فهمنا للعلاقة بين **الوراثة** و**البيئة**، وكيف يمكن للأجسام أن تترك “ذاكرة” تنتقل لأبنائها وأحفادها.
وفي ضوء ذلك، يبدو أن ما نأكله، وما نعيشه من ظروف، قد لا يحدد فقط أعمارنا وصحتنا نحن، بل ربما يرسم ملامح حياة أبنائنا أيضاً.









