ليست رواية خيال علمي… العلماء يكتشفون كيف بدأ قلب الأرض بالتجمّد!

3 د
أظهرت دراسة جديدة أهمية النواة الداخلية للأرض في تشكيل المجال المغناطيسي والصفائح التكتونية.
تحليل النيازك والزلازل يشير لمكونات مختلفة للنواة ويثير تساؤلات جديدة حول تركيبتها.
تشير المحاكاة الذرية إلى أن الكربون يلعب دورًا رئيسيًا في عملية تجمّد النواة.
يقدم البحث فهمًا أعمق لمكونات النواة وتطور المجال المغناطيسي، مما يسرع تقدم الدراسات المستقبلية.
هل خطر ببالك يوماً أننا نعيش فوق كوكب لا نعرف حتى الآن تركيب قلبه بدقة؟ على الرغم من قرون طويلة من الدراسة، يبقى **جوهر الأرض** – تلك النواة المعدنية الهائلة الممتدة في أعماق الكوكب – سراً عصياً على الفهم. لكن دراسة حديثة صادرة عن جامعة ليدز البريطانية تقربنا خطوة مهمة نحو كشف هذا الغموض.
النواة الداخلية للأرض ليست مجرد كتلة معدنية صامتة، بل هي المحرك الخفي وراء ظواهر أساسية مثل **المجال المغناطيسي** الذي يحمي الغلاف الجوي من الإشعاع الشمسي، وكذلك وراء **الصفائح التكتونية** التي شكّلت تضاريس القارات. هذا الارتباط بين النواة والظواهر السطحية يجعل معرفة تركيبها أكثر من مجرد فضول علمي، بل مسألة ترتبط بفهمنا لتطور الحياة على الأرض.
لماذا النواة الداخلية مهمة؟
يعرف العلماء أن حرارة قلب الأرض تبلغ تقريباً خمسة آلاف كلفن، وهو ما يعادل أكثر من أربعة آلاف وسبعمئة درجة مئوية. هذه الحرارة المرتفعة تجعل اللب الخارجي سائلاً، بينما تجمد جزءه الداخلي بمرور الوقت. ومع استمرار التبريد، ينمو الجزء الصلب ويطلق طاقة هائلة تحافظ على **الدينامو المغناطيسي** للكوكب. النقطة الجوهرية هنا أن هذا التجمّد ليس مجرد صدفة حرارية، بل دليل على التوازن العميق في كيمياء النواة.
ومن هنا ينتقل البحث إلى سؤال محوري: ما الذي يحدد نقطة الانصهار وكيفية تجمّد هذا القلب المعدني؟ هذا السؤال يربط مباشرة بين المقاييس المخبرية وعلوم **الزلازل** التي تراقب حركة الموجات عبر أعماق الأرض.
بين الأحافير الكونية واهتزازات الكوكب
تقليدياً اعتمد العلماء على مصدرين رئيسيين لتخمين مكونات النواة: **النيازك** باعتبارها بقايا كواكب فشلت في التشكّل، و**التحليل الزلزالي** الذي يكشف طبيعة المواد عبر سرعة الموجات. النيازك تقترح أن القلب غني بالحديد والنيكل مع آثار من السيليكون والكبريت، لكن هذه صورة تقريبية وناقصة. أما الزلازل فتشير إلى أن النواة أقل كثافة من الحديد النقي بنحو 10%، ما يستدعي وجود عناصر إضافية تقلل الكثافة.
وبهذا يظهر التوتر بين الأدلة: نيازك غامضة من الفضاء مقابل بيانات دقيقة من باطن الأرض، كلاهما يلمح إلى تركيبات مختلفة قليلاً. وهذا يفتح الباب للتجارب المخبرية في مجال **فيزياء المعادن** التي تركز على سلوك السبائك عند درجات الحرارة والضغوط القصوى.
اكتشاف دور الكربون
الجديد في الدراسة أن الباحثين وضعوا سيناريو أكثر واقعية لعملية التجمّد. باستخدام محاكاة ذرية، اكتشفوا أن وجود **الكربون** بنسبة تقارب 2.5 إلى 4% يمكن أن يفسّر كيف بدأت النواة بالتحوّل من سائل إلى صلب. الكربون، بخلاف السيليكون أو الكبريت، يقلل الحاجة إلى “فرط التبريد” الذي كان يطرح معضلة في النماذج السابقة. بمعنى آخر، إضافة الكربون تجعل عملية التجمّد ممكنة فيزيائياً وتنسجم مع البيانات الزلزالية.
وهذا يقودنا إلى الخلاصة الأهم: النواة ليست مجرد حديد مع قليل من النيكل، بل تحتاج إلى خليط يتضمن الكربون وربما الأوكسجين والسيليكون. هذا المزيج وحده يمكنه أن يفسر وجود قلب صلب محاط بطبقة سائلة متماسكة.
نحو فهم أعمق لكوكبنا
تفتح هذه النتائج نافذة جديدة لفهم كيفية نشوء المجال المغناطيسي واستمراره، وهو الدرع الذي جعل الحياة ممكنة على كوكبنا. كما أنها تساعد في بناء نماذج أكثر دقة عن **التطور الحراري** للأرض عبر مليارات السنين. المعرفة الجديدة تعطينا، بتعبير آخر، صورة أقرب للحقيقة عن قلب الكوكب الذي نسير على سطحه كل يوم.
في المحصلة، يكشف العلم مرة أخرى أن أسرار الأرض لا تنكشف دفعة واحدة، بل عبر أجزاء صغيرة من الحقيقة. واليوم يبدو أننا اقتربنا خطوة مهمة من فك ألغاز أعماقها، وربما في السنوات القادمة سنعرف بدقة كيف صيغ قلب الأرض ومن أي مزيج كيميائي يتكون.









